‏إظهار الرسائل ذات التسميات جرف وراء العالم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جرف وراء العالم. إظهار كافة الرسائل

04 يونيو 2021

حياةٌ مجانيّةٌ - شريف بُقنه


قال له عندَ بوابةِ العالَمِ:
لن ترى ما أراهُ ولن أرى ما تراه
وثَمَّةَ ألف عامٍ لن يراها أحَد.
الليلُ نهارٌ هجرتْه عشيقتُهُ فأظلمَ
تنتخبه الذّئابُ لتعويَ مكبّرةً في رأسك:
"انكأ جرحَك واندمْ على ما فات"
لأنّك حرٌ طليقٌ مرشوقٌ في الشتات،
حرٌّ حتى أنّك لن تعرفَ كيف تتدبّر حريّتَك؟
لك الحياةُ مجانيّةً بامتدادِ السماءِ
التي أوصدتِ الجهاتِ
مثل دَرفةٍ هائلةٍ مجهولةٍ ومنسيّةٍ،
سلسلةٌ مفلوتةٌ من المصادفاتِ
ليسَ ثمّةَ من يقينٍ فيها
كلُّ شَيْءٍ ضَربُ تَخْمينٍ
وغايةُ أن تنتهيَ من شيءٍ أن تبدأ آخرًا،
كلُّ شيءٍ "عالقٌ كقطراتِ النّدى على أنصالِ العشب.*" 

15 ديسمبر 2020

تذكَّرِ النِسيانَ - شريف بُقنه

علّقَ على كَتِفِه علبةَ صَفيحٍ كدّسَ فيها أيامَه، مَضى مَكْمُودًا كالعاثرِ في الشّوكِ يكتشِفُ الطَّريق، رشَقْته أغنيةٌ فسَقطَت أيامُه آحادًا تتدحرجُ في كل ناحيةٍ. جفَلَ وراحَ يجمَعُ كلَّ ما صادفَ من جنائزَ وجوائزَ وخساراتٍ وحسَراتٍ وبقيّةَ أمنياتٍ.

صافِحِ الذكرياتِ يا صاحبي
واتركِ الأيامَ ترحلُ بسلامٍ،
لحْنٌ، قشعريرةٌ، شجنٌ، سلطَنةٌ 
وجَعٌ، تَجلٍّ، اِنعتاقٌ
هكذا تَجري الأمورُ.
أن تسقُطَ في فخاخِ الغِوايةِ
وتستحيلُ الخساراتُ 
ندباتٍ في القَلْب
نحتٌ مقدّسٌ يزخرف قلبَ الناحِلِ.
كورالٌ ينشدُ كارمينا بورانا:
بحرٌ متلاطمٌ من الأقدارِ ‏العبثيّةِ
ودورةُ حياةٍ لا تكفُّ عن التّكرار
كائناتٌ مبعثرَةٌ في كوْنٍ هُلاميّ
وزمنٌ مسافرٌ في قطارِ المَجْهول
كلُّ شيءٍ هشٌّ هنا 
حتّى احتمالاتُنا الطارئة.
أضعْنا الكثيرَ من الوقتِ في تنظيمِ العالَمِ
وفاتَنا أنَّ ثمّة هفوةً 
ثمّةَ نَبْوَةً لم نُعِرْها ولو قليلًا،
لم يُخلَقِ العالمُ من أجلِ سعادتِنا
نتسكّعُ هكذا عادةً 
والوقتُ يتولّى البقيّة،
ساذجين، بُسَطاءَ 
نحبُّ السُّخريةَ والنِكات.
هكذا تجري الأمورُ.

يا صاحبي
اِحذرِ الليلَ حانةَ العسْكَر
تذكّرِ النسيانَ 
إنْ كان عليك أن تتذكّرَ
هل من جنّةٍ أجملَ من ذاكرةٍ سيئة!
لا تصدّق بعمقٍ حتّى تؤمنَ 
وكُن ممتنًّا لحُزْنك
‏فكلَّما ازددتَ حزنًا 
ازددتَ جمالًا
وأَبْرَقَ ومْضُ العارفين 
من عينَيْك
رغمَ كلِّ الظلامِ
رغم الأذى.

الرياض ٤ سبتمبر ٢٠٢٠ 



* نُشرت في مجلة اليمامة 17/09/2020 

22 مايو 2020

دهْشَةُ الأطفالِ - شريف بقنه


"أوقفوا هذا العالم، أريد النزول!" رامبو

إلهي أضَعتُ
أمتعةَ أوقاتي ألهثُ وراء النجاةِ
النجاةُ من الوقتِ الذي أضَعْته،
أمضي حياتي بحثاً عن حياتي
لم أدركُ أن رحلةَ البحث
كانت حياتي.

إلهي وجَدْتُ
نفسي هنا ولا أعرفُ ما العمَل،
أظنُّ أن عليّ أن أعملَ شيئاً
وليس لدي سوى الشَّكّ والملَل.
لا حاجةَ للطبيعة بي، ولا يُشْفِق
الوقتُ بأجَلي، وكأنه المـُراد
أن أتكيّفَ مع فزَعي،
مع الضّآلةِ.

إلهي تعِبتُ
فاجعَلْني أغادرُ سُلالتي
وأترك ُكياني،
أغادرُ فوضى المعاني
سيرةَ الشتاتِ وندامةَ الذّكريات.
امزجني جديداً بمادةِ الكَوْن
وليبدَأ كلُّ شيءٍ مرةً أخرى
ولتَبْدأ حياةٌ مسالمةٌ،
حياةٌ مليئةٌ بالحفلات.

إلهي سئِمْتُ
فامنَحني دهشةَ الأطفال
حتى اجتلبَ متعةَ الاكتشافِ
فلقد قتلَني الروتين،
اجعَلْني أقِفُ مسحوراً
أتأمّل بقعَ الماءِ آسِنةً في
الشّارع وهي تعكسُ نُدَفَ
الغيومِ وتشربُ زُرقةَ السّماء.

الرياض 

١ مايو ٢٠٢٠

* Photo credit (Happiness By Chee Keong Lim)

16 يونيو 2019

اكتبها - شريف بقنه


وقدْ نعيشُ منتظرينَ لحظاتٍ لا نعلمُ عنها ولَا يتَّسعُ حدسُنا فيُدنيها وإنَّما تجتبيها صُدفةُ الأيَّام ونزَقُ الأقدار، لحظات تجلٍّ تتعطّشُ إليها الرُّوحُ ظَمْأَى وتقشر الحياة فيها نمَشَ المعاناةِ، تفكُّ أزرارَ قميصِها وتكشفُ عن حُسنها متكئةً على حافّةِ السَّريرِ، جذْلَى. اذهلْ في تجلّيكَ حينَها وابتهلْ سلوانًا لا يشوبُهُ ندَمٌ ولا يلحقُهُ استغفارٌ، ولا تفرِّطْ! لا تفرِّطْ بكلِّ ما فيهَا وأدّخرْ شيئًا منهَا واكتبْها.
اكتبْها على سُلَّمِ مخرجِ الطَّوارئ
فكلُّ ما تفعلُه حينَها 
محضَ عروجٍ سماويٍّ 
وكلُّ ما تكتبُه قصةَ نبيٍّ.
اكتبْها قبلَ أنْ ينتهيَ المشهدُ
يخلعُ الممثلون ملابسَهُم 
ويعودون لبيوتِهم في حارةِ النِّسيان.
اكتبْها قبلَ أنْ تتضاءَل
فالنَّدمُ  لئيمٌ والوقتُ قصيرٌ 
والأمانةُ كَسرتْ عواتقَ الرِّجال.
اكتبْها وأعلمْ أنَّك ستبذلُ 
الحبرَ مِن دمكَ والوقتَ 
من وجَعٍ يقرِّصُ بأظافرِهِ في قلبِك.
اكتبْها حتى تُفسدَ على الموتِ خُطَّتَه
تبعثُ الموتى من صدرِك أطفالًا جُدُدًا.
اكتبْها قبلَ أنْ تغادرَ السفينةُ 
وارمِ بالمرساةِ في محيطِ الحبْرِ،
ثُمَّ ارحلْ مطمئنًّا 
كمَنْ يعرفُ جيِّدًا أنَّهُ وقتُ الرَّحيلِ.

07 أغسطس 2018

هكذا تقولُ الحياة - شريف بقنه

لقاءُ عاشقَيْنِ في مكانٍ
عشوائيٍّ لأوَّلِ مرَّةٍ،
وجْهُ أمِّك،
نظْرةٌ مارقةٌ لامرأةٍ
تنفذُ في قلبك أعمق 
من سهْمٍ رشَقهُ صيَّاد،
وكأنَّ كلَّ شيْءٍ ناتج عنْ صُدفةٍ
بريء المقصد
طري وخلّاب،
هكذا تجتبيك الحياة.

الوقوعُ في الغرام،
سِحرُ امرأةٍ جالسةٍ
وساقَاها متقاطعتانِ،
الانحناءاتُ التي قاسَها الرَّسَّامُ
في لوحتهِ التجريديَّةِ،
عمَّا نفعلُهُ دُونَ أنْ نفكِّرَ
ولوْ للحظةٍ
ما الذي نقصدُهُ من ذلكَ!
هكذا تهادنك الحياةُ.

قصائدُ بلا قافيةٍ
روايةٌ بلا نهايةٍ
فراقٌ بلا وداعٍ،
سأمٌ يفتِكُ بك
لم تفعل شيئًا لتستّحقَّه،
وطغاةٌ يحكمون الأرضَ ويعيثون
في حياتك الفساد.
"ذلك يحدُث! إنهُ يحدثُ فقط
إيّاك أن تتعلَّقَ بوقتٍ محددٍ للنَّوْمِ
فلقد بدأ العالَمُ بِخطَأ."
هكذا تقولُ الحياة.


سانت بطرسبورغ
١٦ يونيو ٢٠١٨

12 أبريل 2018

الحوتُ الظمآن

سأعمل حطاباً في غابة النسيان
أسجّر النّار في جذوع ذكرياتكم الموجعة
وأكشط اللحاء الرَثّ عن أحلامكم
ناسياً قلبي موبوء بوَجْده.

مُصابٌ بعمى الألوان
وأحمل لوح الرّسْم فيه عشرة ألوان،
سألوّن لكم الشفق
يرفرف على شفته هُدْهدٌ وطنّان
حتى تليق بكم الأيام.
سأكتبُ عن مغامراتكم العاطفية
كيف كانت النظرة الأولى
والنشوة الأولى والقبلة الأخيرة،
وأذيّل رسائلكم
باسم الملاك الذي يحرس كَتفك
بلا رغبةٍ أو حلُمٍ
أو قلبٍ توجّته الأعوام.
سأضعُ قليلاً من ذكرياتكم
مع بعضاً من أمانيكم
وأمْزُجُ كل شيءٍ في إكسير حلُمٍ
سأخفُقُ التركيبةَ جيّداً
وعندما تُستَهلُّ الموسيقى التصوّيرية
عند درجة بهجة مئوية
سأغمسكُم تَحلُمون
وأترُك لكُمُ الليل بطولِه تثملون
سأسكُبُ الزّيت بعد كل حلمٍ
حتى ينزلق آخرًا،
لا تقولوا حينها
أنكم على قيْد الحياة
وإنما على قيْد حلمٍ
هاربين في الأبديّة.

لكم ما تريدون
ولي وحْشةُ الغريب
صمْتُ الجدار وأرَقٌ 
ينام في عيني،
أنا الحوتُ الظمآن
البيتُ الكبير
على ألا تسند بيدك على الجدار
فإنّه يتداعى.

شريف بقنه