31 يناير 2015

والت ويتمان الملف الكامل - مقدمة و قصائد مترجمة

أنشد تذمري البربري فوق سقوف العالم لوالت ويتمان
جريدة عكاظ - العدد : 4949 - 04 01 2015 
ترجمة وتقديم: شريف بقنة
Walt Whitman

ولد والت ويتمان في 31 مايو 1819، وهو النجل الثاني لوالتر ويتمان، الأب المعيل لأسرة تكونت من تسعة أطفال، والذي كان يكسب رزقه من أعمال البناء في بروكلين ولونج آيلند في عشرينيات القرن التاسع عشر وثلاثينياته. ومنذ سن الثانية عشرة بدأ والت بتعلم الضرب على الآلة الطابعة. بدأ بقراءة ذاتية شرهة وتعلم فردي إلى حد كبير، استهل قراءاته بأعمال هوميروس، دانتي، شكسبير، وكذلك بقراءات مكثفة في الإنجيل. أسس «لونج آيسلند» الأسبوعية، وبعدها حرر عددا من صحف بروكلين ونيويورك. العام 1848، ظهرت أولى كتابات ويتمان ضد العبودية وأسواق الرقيق في نيويورك في صحيفة «نيوأورليانز كريسنت»، ولدى عودته إلى بروكلين، في العام نفسه، عمل على تأسيس صحيفة «فري سويل». واستمر الشاعر في تطوير نمط شعري جديد وفريد، حتى نالت قصائده إعجاب أحد أهم الأكاديميين والنخبة في تلك المرحلة وهو رالف والدو إيمرسون.العام 1855، نشر ويتمان الطبعة الأولى من «أوراق العشب»، وكانت المجموعة تتألف حينها من اثنتي عشر قصيدة غير معنونة، بالإضافة إلى مقدمة. أرسل نسخة منها إلى إيمرسون (تموز 1855). نشر ويتمان الطبعة الثانية من الكتاب العام 1856، واحتوت ثلاثة وثلاثين قصيدة، كما استقبل في العام نفسه رسالة إطراء وإشادة بالطبعة الأولى من إيمرسون، رد عليها ويتمان برسالة مفتوحة وطويلة. في السنوات اللاحقة عمل ويتمان على إعادة نشر «أوراق العشب» وتنقيحه في طبعات عديدة متتابعة.
لدى اندلاع الحرب الأهلية، مكث ويتمان لفترة في نيويورك كتب حينها حول همومه الوطنية في الصحف، كما زار الجرحى والمصابين في المستشفيات، وانتقل بعد ذلك إلى واشنطن العاصمة في ديسمبر 1862 لرعاية أخيه الذي كان قد أصيب في الحرب.
ظل ويتمان لفترة تزيد على أحد عشر عاما في واشنطن، ونذر نفسه لمساعدة الجرحى وعمل في مستشفيات المدينة، وتابع العمل الخيري، حتى انتقاله إلى نيوجرسي واستقراره في كامدن العام 1870، حيث حضر وفاة أمه، وأقام بعد ذلك مع أخيه هناك. أمضى ويتمان بعد ذلك سنوات إبداعه في منزل يتكون من طابقين، فعمل على إعادة تنقيح كتابه وإعادة طباعته، كما عمل على إعداد كتاب «وداعا يا هواي» 1891. كانت وفاته يوم 26 آذار 1892.

------------
طفل قال: ما هو العشب؟

طفل قال لي ما هو العشب؟
كان يحمله إلي بكلتا يديه؛
كيف يمكن أن أجيب الطفل؟...
إني لا أعرف عن ذلك أكثر مما يعرفه هو.
أظنه قد يكون الإشارة إلى تشتتي،
بعيدا عن صخب المادة الخضراء المتفائلة.
أو أظن أنه منديل اللورد،
تذكار وهدية معطرة سقطت عن عمد،
علق عليها اسم المالك بطريقة ما في الزوايا،
ذاك الذي قد نراه ونشير إليه،
ثم نقول: من!
أو ربما إن العشب ذاته طفلة..
أنجبت فتاة الأعشاب.
أو أظن أنه بزة هيروغليفية،
وتعني،
براعم منتشرة بالتساوي في البقع الواسعة والبقع الضيقة،
براعم تنمو بين الناس السود كسواهم من البيض،
كانوك، توكاهو، عضو كونغرس، كفة الكم،
أعطهم المثل،
واستقبلهم بالمثل.
والآن يبدو لي الشعر غير المشذب الجميل للقبور.
بلطف،
هلا أستخدمك أيها العشب المجعد،
قد يكون أنك ترشح من أثداء الشباب،
قد يكون لو أنني عرفتهم لكنت أحببتهم؛
قد يكون أنك من كبار السن ومن النساء،
ومن ذرية خطفت على عجل من أحضان أمها،
وها أنت هنا حضن الأم.
هذا العشب أكثر ظلمة من أن يكون من الشعر الأبيض لعجوز،
أظلم من لحى الشيوخ عديمة اللون،
مظلم ليأتي من أسفل الأسطح باهتة الحمرة حتى الأفواه.
أوه! أخيرا ألاحظ الكثير من الألسنة المتلعثمة!
وألاحظ أنهم لا يجيئون من سقوف الأفواه بلا مقابل.
أتمنى أنني أستطيع أن أفسر التلميحات
عن الموتى من النساء والشباب اليافع،
والتلميحات عن الشيوخ والعجائز،
وعن الذرية التي خطفت على عجل من أحضان أمها.
ما الذي تعتقده يأتي من الشباب والشيوخ؟
ما الذي تعتقده يأتي من النساء والأطفال؟
هم أحياء وبخير في مكان ما؛
البراعم الصغيرة تؤكد أن الموت لم يكن هناك،
وإن كان فلقد افتتح أفقا لحياة
ولن ينتظر عند النهاية ليكبحها،
ويقطع لحظة الحياة عندما تدب.
ينطلق الجميع إلى الأمام وإلى الخلف...
ولا شيء ينهار،
وأن تموت فذلك شيء يختلف عما يمكن لأحد أن يتصور،
وشيء أوفر حظا.

------------
معجزات

من يصنع تلك المعجزات كلها؟ ولماذا؟
بالنسبة إلي، لا أعرف أي شيء آخر غير أنها محض معجزات،
سواء كنت أسير في شوارع مانهاتن،
أو أنقض ببصري على سطوح المنازل صوب السماء
أو أضع قدمي العارية على الشاطئ، تماما على حافة الماء
أو عندما أقف تحت الأشجار بين الحطب
أو عندما أتحدث مع أي أحد يحب ــ أو أنام ليلا في السرير مع من أحب
أو أجلس إلى المائدة للعشاء مع البقية،
أو أشاهد الغرباء أمامي يركبون سياراتهم،
أو أشاهد النحل حولي في الصيف مأخوذا في ثول النهار،
وثمة حيوانات ترعى في الحقول،
وثمة طيور ــ وثمة روعة في حشرات تحلق هنا
أو تلك الدهشة في أشعة الشمس الساقطة
أو الألق الهادئ للنجوم اللامعة؛
أو الفتنة الرقيقة للهلال النحيل في طلة الربيع،
أو عندما أسير مع من أحب بين من يحبونني
العمال، البحارة.. المزارعون
أو عندما أقف طويلا وأتأمل حركة المكائن،
أو عندما أقف وأشاهد الأطفال يلعبون،
أو أهيب بنظري صوب شيخ كبير أو عجوز طاهرة،
أو عندما أهيب بنظري إلى المرضى في المستشفيات أو جنازات الموتى،
أو عندما أنظر إلى عيني وشكلي في المرآة،
ذلك كله، مع البقية، بالنسبة إلي كل مرة، ليس سوى معجزة
الكل يشير مع ذلك إلى شيء واحد جلي وفي مكانه.
بالنسبة إلي، كل لحظة من النور والظلام محض معجزة،
كل إنش مكعب من هذا الفضاء معجزة،
كل ياردة مربعة من سطح الأرض تمتد كمعجزة أيضا،
كل خطوة تعج بمعجزة كذلك،
كل فرع نابت ــ إطارات الخشب، الأغصان، الأعضاء، كل الرجال والنساء،
وكل ما يتعلق بذلك،
بالنسبة إلي، محض معجزات لا يمكن وصفها.
بالنسبة إلي، البحر معجزة متواصلة؛
الأسماك التي تسبح، الصخور، حركة الأمواج، السفن
مع ما فيهم من بشر،
ما أغربها من معجزات!
------------
لمحة

لمحة من خلال فرجة تشتعل
صخب العمال والسائقين عند أزقة الحانة،
حول الموقد، هناك في ركن أعزل
أتكأ في ساعة متأخرة من ليل شتائي،
ويقترب مني بهدوء من أحبني منذ الصبا ومن أحببت،
وكأنه يجلس بالقرب مني
وكأنه يمسك بكفي، للحظة تطول
وأسمع الضجيج ذهابا وإيابا
يتجرعون في الحانة ويتبادلون
المزاح البذيء والجاد
وهناك كنا، نحن الاثنين،
مفعمين بسعادة اللقيا، ونظل نتحدث،
ربما بلا كلمة واحدة.

okaz.co/m/bwH7QdhVU
------------------------------
المراجع | References
[1] مختارات من الشعر الأمريكي، ترجمة وتحقيق شريف بقنه الشهراني (2011) بيروت: دار الغاوون
[1] Selections from American Poetry, By Dr. Sherif Bugnah Alshahrani (2011) Beirut: Alghaoon Publisher