16 أكتوبر 2025

رجلُ المطر - بول فارلي

آخرَ ما أفعلهُ أُطفِئُ الأنوار،
وأُسدِلُ الستائرَ المعدنيّة،
أُضبطُ المنبّه،
وأتركُ فجوةً صغيرةً في الشرائحِ المعدنيّة،
أَنحني لأعبُرَ من تحتِها.

وفي الوقتِ الذي أبتعدُ فيه،
فيما الزمنُ يَنحسِرُ ببطءٍ،
أُلقي نظرةً إلى الفراغِ
الذي تركتُه في المدينة.

أفعلُ ذلكَ كلَّ ليلةٍ.

في الخارج،
الهواءُ مُثقَلٌ بالأبخرةِ والمطر،
وكلُّ شيءٍ على وشكِ الحدوث.


ـــــــــــــــــــــــــ
¹ ترجمة شريف بقنه
² نُشرت قصيدة «رجل المطر – Rain Man» ضمن مجموعة بول فارلي الشعرية The Mizzy الصادرة عن دار بيكادور (Picador) في لندن عام ٢٠٢٤، ترشحت المجموعة للقائمة القصيرة لجائزة تي. إس. إليوت ٢٠٢٤.
³ Financial Times, "Rain Man" by Paul Farley, March 29, 2024.

25 سبتمبر 2025

قراءة في مقال «الذكاء الاصطناعي يستطيع تشخيص المرضى، فماذا بقي للأطباء؟»

في مقال نُشر بتاريخ ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥ في مجلة "النيويوركر" بعنوان "الذكاء الاصطناعي يستطيع تشخيص المرضى، فماذا بقي للأطباء؟"، يستعرض الكاتب دروف كولار التأثير الكبير الذي تحدثه نماذج اللغة الكبيرة LLMs في عالم الطب، مع تسليط الضوء على الفرص والمخاوف المصاحبة لهذه الثورة التكنولوجية.
​يبدأ المقال بقصة لافتة لـ "ماثيو ويليامز"، مهندس برمجيات عانى لسنوات من أعراض هضمية حادة فشل ٨ أطباء في تشخيصها بدقة. وبعد معاناة طويلة، لجأ إلى ChatGPT الذي تمكن في ثوانٍ من تحديد السبب المحتمل لمشكلته، وهو مركبات تسمى "الأكسالات Oxalate" لم يذكرها أي من أطبائه من قبل. هذه التجربة غيرت حياته وقناعاته:
​"أثق بالذكاء الاصطناعي أكثر من الأطباء. ولا أعتقد أنني الوحيد في ذلك."
​يشير المقال إلى أن الأخطاء التشخيصية في الولايات المتحدة وحدها تساهم في وفاة شخص من كل ١٠ أشخاص (أجد أن الرقم مبالغ فيه)، مما يبرز الحاجة الماسة لأدوات أكثر دقة.
​لكن التكنولوجيا تأتي بآثارها الجانبية. فالمقلق هو تآكل المهارات البشرية، وهو ما عبر عنه طالب طب وكشف عن قلق مشروع في الأوساط الطبية:
​"أنا قلق من أن هذه الأدوات ستؤدي إلى تآكل قدرتي على إجراء تشخيص مستقل."
​يستعرض المقال التطور التاريخي للتشخيص الحاسوبي وصولاً إلى "CaBot"، وهو نموذج ذكاء اصطناعي متقدم من جامعة هارفارد وُضِع في مواجهة مباشرة مع طبيب خبير لتشخيص حالة معقدة، في تحدٍ يذكر بمباراة الشطرنج الشهيرة بين كاسباروف وحاسوب ديب بلو.
​يطرح المقال في النهاية سؤالاً محورياً حول مستقبل مهنة الطب: كيف سيتغير دور الطبيب في عصر أصبحت فيه الآلة شريكاً تشخيصياً قوياً، وأحياناً أكثر بصيرة؟

28 أغسطس 2025

خرائط الريح - شريف بقنه

Another Place by Antony Gormley
"الكثير من العوائق تحول دون هذه المعرفة، بما في ذلك غموض المسألة وقصر الحياة البشرية" بروتاغوراس (٤٨٧ ق.م - ٤٢٠ ق.م)

أسير ببهاء جرحي رفقة أيام شاحبة،
يحيرني غموض السؤال
ويقيدني قصر الحياة
ويحيد بي الطالع شاردًا
أفتش في دوامة الجهات عني،
أدعك فضة المرايا 
علني أراني رابضًا
بين أثاث الفراغات 
أو مبدّدًا في خرائط الريح.
تسكنني الظنون
وأسكن غابة أسئلة
،أهادن الوقت وأخاتل الضيق
أصنع من الاعتياد دهشة 
وأنسى كل مرة كيف تحايَلت
وبعثت الجدوى من أعماق التفاهة.
أعرف مشقة اختراع المعنى
منذ طُوي الزمان صفحةً
في كنف المكان،
تحرر الضجر من ثقبٍ أسود
وتفجرت عاطفة المجرات
جربت الأصوات طبقاتها 
واندلعت نوافير الألوان
اختار البرد لونه الشفاف،
تسمت الأشياء وأصبح 
للوقت حدائق نسيان.
لماذا توارى الفن خلف القشور،
وكيف استحال الغياب شاعريًا؟
هل أسرفت الطبيعة في بطشها،
هل للطمأنينة أن تسيل في الروح
وتجعلها خفيفة؟
منذ حذرني فاوست 
من نزوات مفستوفيليس
أيقنت أن السعادة 
اكتمال يلمع في اللانهائي
وأن المعنى 
مَذروٌّ في رماد الليل
ضائع في غصة الجمال،
هكذا ذبت في خطوط الريح 
امتطيت مع آخيليس هفوة الفن
صقلت رغبتي الملحمية
هددت تعابير الكلام
وسفكت دم الدلالة
على صفحات الصواب،
كتبت قصيدة
عن منازل السهو
ومثالب الريبة.
 
٥ أغسطس ٢٠٢٦
أبها

02 مايو 2025

المترجم كاتبًا خفيًّا: متى تصبح الترجمة عملًا أدبيًّا جديدًا - د. شريف بقنه


لو تخيلنا الترجمة كرحلةٍ عبر المرايا، لكان المترجم هو تلك المرآة التي تعكس النصَّ دون أن تُفقدهُ وهجَه، لكنها تضيفُ إليه أبعادًا جديدةً تُضيء ما خفيَ في الزوايا. العديد من الاستعارات تتوازى مع رحلة الكاتب الخفي، رحلة المترجم عبر نص المؤلف. يرى المترجم نفسه كظل أمين يتماوج جنبًا إلى جنب مع النص، فالترجمة هنا حديث سري وحوار داخلي وصامت، كما يصفها جورج شتاينر في كتابه "بعد بابل: جوانب من اللغة والترجمة": «كل ترجمة فعلٌ من أفعال الفهم العميق، ومحاورة صامتة مع النص الأصلي»[1]. المترجم لا يكتفي بنقل الكلمات، بل يعيش داخل النص ليستوعب صوته، وينسج ظلًّا لمعانيه، حاملًا رسالة العقول عبر الزمن كرفيقٍ خفي، تقول المترجمة الأمريكية إديث غروسمان في هذا السياق: «أحيانًا أشعر أنني أكتب النص من جديد جنبًا إلى جنب مع الكاتب الأصلي، كما لو كان يهمس بأذني»[2]. هذه العلاقة اللامرئية عميقةٌ في جوهرها؛ فالمترجم قارئٌ استثنائي، صديقٌ غير مُعلَن للنص، يعيد تشكيله بلغة أخرى. إنه القارئ الأول، الأكثر تدقيقًا، والأشد توجسًا، الذي يرافق الكاتب كظله، يتنقل بين أفكاره بحثًا عن ذلك الخيط الرفيع بين الأمانة الأدبية والاشتغال الإبداعي.
أنتقل إلى استعارة أخرى: المترجم كمستكشفٍ للغموض وفنانٍ خفي. فهو لا يكتفي باكتشاف خبايا النص، بل يفتح أبوابه الموصدة لاستنطاق فسحة التأويل، ويعيد تشكيله كقطعة فنية بلغة جديدة. هنا نستحضر قول أمبرتو إيكو: «الترجمة هي قول الشيء ذاته تقريبًا»[3]، لكن كلمة "تقريبًا" تحمل في طياتها مغامرةً إبداعية، خاصةً إذا كنا نتحدث عن ترجمة النصوص الأدبية. يسبر المترجم أغوار النص، يكتشف طبقاته الخفية، ويسعى لتقديمه بلغة جديدة دون أن يفقد سحره وخاصيته الفنية. المترجم هنا أشبه بعالم آثارٍ يزيل الغبار عن النص ليُظهر جماله الخام. وكما يوضح لورنس فينوتي في كتابه "اختفاء المترجم": «يُطلب من المترجم أن يكون حاضرًا في النص، لكنه يُجبر على الاختفاء في الوقت ذاته»[4]. هذا التناقض المحوري يجعل الترجمة فنًّا خفيًّا، حيث تُنسج لغة المترجم في نسيج النص دون أن تترك أثرًا.

10 أبريل 2025

صعود الآلات - فصل مترجم من كتاب «الإمبراطوارية السوية»

صعود الآلات

تجري أحداث أهم أجزاء قصتنا منذ أوائل القرن التاسع عشر، ولكن من المفيد أن نبدأ بسرد أكثر شمولاً يوفر سياقًا أوسع. أحد أهم الاستفهامات يتعلق بكيف أدى التحول من الإقطاعية إلى الرأسمالية إلى تغير جوهري في كيفية تصور الصحة.
يبدأ الفصل بإلقاء نظرة سريعة على كيفية فهم الصحة كشكل من أشكال الانسجام في اليونان القديمة وأماكن أخرى في العالم القديم، واستمر ذلك حتى القرن السابع عشر على الأقل. انتقل بعد ذلك إلى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، الذي أعد عمله رمزًا لتحوّل أوسع في الفكر التنويري حول الجسم والصحة. بالنسبة لديكارت، أُعيد تصور الجسم باعتباره آلة. من هذا المنظور، لم تعد الصحة مسألة انسجام، بل أصبحت آلية عمل لابد وأن تعمل بشكل صحيح. أخيرًا، انتقل إلى صعود الرأسمالية والثورة الصناعية. أوضح أنه، وبعيدًا عن كونه تطورًا علميًا لا مفرّ منه، أصبح تصوّر الجسم كآلة مقبولًا على نطاق واسع لأنه ساعد في تطبيع التسلسلات الهرمية الجديدة التي انبثقت من الرأسمالية. هذه النظرة الشاملة، التي توضح كيف أدخلت الرأسمالية مفهومًا جديدًا وعلمًا متوافقًا عن الصحة، ستسهم في تمهيد الطريق للفصول التالية التي تناقش صعود النموذج المرضي.

الصحة كانسجام

كان زمن أبقراط هو العالم الكلاسيكي للمدن اليونانية حيث دارت معارك شهيرة، وألّف الشعراء العظماء ملاحمهم، وتجادل سقراط مع مواطنيه في سوق أثينا. بسبب بساطة الطب في تلك الفترة، أصبحت الأمراض المزمنة والإعاقة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ولم يكن هناك فصل أو تمييز للإعاقة يشبه ما حدث لاحقًا. تُظهر الأدلة الأثرية، على سبيل المثال، أن المعابد احتوت على سطوح مائلة لتسهيل وصول ذوي الإعاقة الحركية [1]. مع ذلك، كان هناك تمييز ضد ذوي الإعاقة؛ ومن ذلك الاعتقاد السائد بأن المرض عقاب - أو في بعض الأحيان هدية - من الآلهة. يرجع تاريخ هذا "النموذج الأخلاقي" للإعاقة إلى مصر القديمة، حيث يقوم السحرة الأطباء بطرد الأرواح الشريرة إلى جانب توفير التدخل الطبي اللازم.
ولد أبقراط العام٤٦٠ قبل الميلاد تقريبًا في جزيرة كوس، قبالة سواحل تركيا. تعلم أولًا على يد والده، الطبيب هيراكليدس. بعد أن تعلم كلّ ما لدى والده، جاب أبقراط أنحاء واسعة لتعلّم المزيد عن الطب. في حين لا يُعرف سوى القليل على وجه اليقين عن أسفاره أو حياته اللاحقة، إلا أننا نعرف من معاصره أفلاطون أن أبقراط عاد إلى كوس وأصبح مشهورًا بعمله الطبي وتعاليمه. [2]
نعلم أيضًا أن عددًا كبيرًا من النصوص، المعروفة باسم كوربوس أبقراط Hippocratic Corpus، لا تزال موجودة. كتبها أبقراط أو أتباعه. من هنا يتضح إرث التقليد الأبقراطي؛ في حين كان يُنظر إلى المرض تقليديًا من خلال عدسة دينية فهم الأبقراطيون المرض بطريقة طبيعية كمشكلات في الجسم أو العقل. كما كانوا روادًا في طرق الملاحظة والتوثيق وطوروا أنظمة تشخيصية معقدة لتفسير وعلاج الأمراض.
مع مرور الزمن، أصبح العاملون في هذا التقليد قادرين على علاج الجروح الملوثة وطوروا أدوات وتدخلات جراحية مهمة، وفهموا أهمية التغذية السليمة للجسم. اعتبروا أيضًا أن الدماغ، على حد تعبير أحد نصوص أبقراط "مقر الجنون والهذيان، والمخاوف والأهوال التي تباغتنا"[3]. عندما يتعلق الأمر بالأمراض العصبية فقد ميزوا بين الهوس والكآبة والجنون والصرع بأساليب لا تختلف كثيرًا عما جاء في أعمال الأطباء النفسيين الأوائل بعد أكثر من ألفي عام.[4]  هنا شهدنا لأول مرة الاعتراف بحالات عصبية محددة بدلًا من الفكرة التي تنسب الجنون إلى آلهة خبيثة أو غاضبة.
لكن هنا أيضًا تنتهي التشابهات مع الطب المعاصر. الاختلاف الأهم هو أن مفهومهم للصحة يختلف تمامًا عن المفاهيم التي لحقتهم. في يومنا هذا تُفهم الإعاقة في سياق علاقتها بالحالة السوية والمفاهيم الإحصائية. لم يكن مثل هذا المفهوم متداولًا في العالم القديم. في حين أن الفيثاغوريين طوروا مفهوم "المتوسّط" الحسابي قبل وقت قصير من ولادة أبقراط إلا أن هذا المفهوم كان مجردًا إلى حدٍّ كبير. كما كتب سايمون رابر "يذكر الفيثاغوريون المتوسط الحسابي في سياق الموسيقى والتناسب إلى جانب المتوسط الهندسي والتوافقي ولم يقترحوا استخدامه لتلخيص البيانات"[5]. من ثم فإن فكرة الأداء الوظيفي "الطبيعي" - أو بشكل أكثر تحديدًا معدل ضربات القلب الطبيعي وقدرة الرئة الطبيعية والطول الطبيعي والقدرة الإدراكية الطبيعية وما إلى ذلك - ستكون غريبة تمامًا على أطباء العصور القديمة.
عرّف الأبقراطيون المرض على أنه اضطراب في الانسجام الجسدي أو التوازن أو الاستقرار. يتمثّل توازن الصحة فيما اعتبروه الروابط الأساسية الأربعة أو "الأخلاط humours" وهي الدم والبلغم، والعصارة الصفراء والعصارة السوداء. من هذا المنطلق كما يلخص المؤرخ أندرو سكل "يتكون كل واحد منا من أربعة عناصر أساسية تتنافس على التفوق" بطرق يمكن أن تؤدي إلى توازنها بشكل أكبر أو أقل. [6]  إذا كانت هذه العناصر متوازنة، فإن الجسم يكون سليمًا، وتنتج أمراض مختلفة من أشكال مختلفة من الاختلال.
بالمثل، يمكن اعتبار الصحة كحالة من التناغم والانسجام بين الفرد والبيئة المحيطة به. على سبيل المثال، تتغير هيمنة الأخلاط المختلفة بتغير المواسم، مما يؤدي إلى تغيّر الأمراض. اقترح الأبقراطيون أيضًا أن الوظائف العصبية يمكن أن تتأثر بتغيرات الطقس. فمثلًا، -كما يفترض أحد النصوص-، فإن "الرياح الجنوبية" يمكن أن "تبعث الراحة إلى الدماغ" وأوعيته الدموية، بينما "ستجمّد" الرياح الشمالية أجزاء من الدماغ، وتجلب كل ظاهرة معها تأثيرات إدراكية مختلفة.[7]  إذا كان شخص ما مريضًا، يُنظر إلى مرضه باعتباره علامة على وجود نقص في توازن وانسجام الأخلاط أو انعدام في التناغم بين الفرد والبيئة، وتُفسّر المشكلات الطبية بملاحظة أنماط عدم التوازن.
في حين أن تركيزنا سيكون على المفاهيم الغربية للصحة، فمن اللافت ملاحظة أن مفاهيم التوازن للصحة البدنية والعقلية يمكن رؤيتها أيضًا في مجموعة من الفلسفات الطبية التقليدية على الصعيد العالمي. تشمل هذه التقاليد الأيورفيدية Ayurvedic tradition في الهند، والطب الصيني القديم، والطب المصري القديم، والتقاليد الطبية الشفهية للإنكا.[8]  من المؤكد أن كلًّا من هذه التقاليد تختلف في مجموعة من التعقيدات والفروق الدقيقة، ولم يستخدم أيّ منها المفهوم الأبقراطي لـ "الأخلاط". مع ذلك، فقد نظروا إلى الصحة على أنها، -بمعنى أو بآخر-، مسألة انسجام أو توازن داخل الفرد، أو بين الفرد والبيئة والمجتمع. على سبيل المثال، حسبما نقل أليكسوس ماكلويد، اعتقد أولئك الذين ينتمون إلى التقليد الكونفوشيوسي القديم في الصين أنه "إذا كنا في مجتمعات سيئة أو شريرة أو غير صحية، ستضطرب معتقداتنا وعواطفنا وتوقعاتنا ومواقفنا (من بين أمور أخرى) بطرق خطيرة.[9]" .
وهكذا، في جميع أنحاء العالم القديم، لم يكن المرض يعني وجود خلل ميكانيكي، ولكن انعداماً للتوازن في الذات أو مع البيئة أو الآخرين. بعيدًا عن كونها مقتصرة على العصور القديمة، استمرت هذه التقاليد حتى وقت قريب جدًا. على سبيل المثال، تطور تقليد الأخلاط في روما القديمة من خلال أعمال جالينوس، وخلال العصر الذهبي الإسلامي على يد ابن سينا، من ثم عبر أوروبا في العصور الوسطى. على نحو مماثل، انتشرت تقاليد التوازن القديمة الأخرى على مستوى العالم، واستمرت حتى العصر الحديث. ظلت المعادلة الأساسية بين الصحة والانسجام، والمرض وعدم التوازن سائدة حتى عصر الاستعمار، وعصر التنوير، والأهم من ذلك، حتى صعود الرأسمالية.

16 يناير 2025

قصيدة "دهشة الأطفال" شريف بقنه - فيديو

قصيدة «دهشة الأطفال» شعر وإلقاء د.شريف بقنه، سجلت الأمسية ضمن فعاليات الملتقى الشعري السادس، جازان المملكة العربية السعودية بتاريخ ١٠ يناير ٢٠٢٥.
The poem "Children's Wonder," written and
recited by Dr. Sharif Bugnah, was recorded during the Sixth Poetry Forum, Saudi Arabia, on January 10, 2025.
المزيد في أرشيف اليوتيوب

13 سبتمبر 2024

حجَرٌ فلسفي - شريف بقنه

 
"عذابٌ، ومكانُ معاناةٍ، مرعبٌ" 
لويز جلوك، عن كتابةِ الشعر 

أكتبُ مالا أريدُ الحديثَ عنهُ انتحاراتٍ أخلّصُ فيها عصابيتي، ولاداتٍ أتماهى في أطوارِها وأتخلَّقُ، وأشعرُ بشلّالِ الفراغِ ينسكِبُ في رُوحِي ومُلاءةِ اللاجدوَى تُدثّر جسدي، وأشعرُ برأسي يخرجُ من رحِمٍ كما لو أنّ الأجسادَ الشعريةَ تكافحُ من أجلِ اقتحامِ الواقعِ بتعبيرِ بثارنيك. أكتبُ عندما يتلبسُني مأزقُ اللاأدرية وتفقِدُ الجاذبيةُ الأرضيةُ ماهيّتَها، يسقطُ القاع وأستحيلُ جسمًا مقذوفًا في خلويّةِ الكون. أرى الشّخصَ الذي لم أكنْه ممسوسًا بالحريَّةِ، مضادًا للألمِ، يتدلّى على حبالٍ وهميةٍ، وتصبحُ جميعُ المبرراتِ التي ابتدعتْهَا البشريةُ لتفسيرِ الوجودِ غيرَ حاسمةٍ بما يكفي لأتوقّفَ عنِ الكتابة. أكتبُ وفي أناي نزعةٌ شِعريةٌ متمّردةٌ ومُلحّةٌ يُفسِدُها التفلسفُ والمباشرة. أعرفُ ما يُفسِدُ شِعريَّتي؛ غيرَ أنّني لا أُطيقُ شعرًا لا يقولُ شيئًا أو شعرًا معلّبًا يستعبدُه اللَّحنُ. أحبُّ الشعرَ الذي يضربُ بالمنطقِ عرضَ الحائط، يسافرُ بلا بوصلةٍ أو خارطة، ورغمَ بوهميّتِهِ وصعلكتِه إلا أنَّهُ يتمثلُ الأستطيقا ويبنِي معماريتَهُ الخاصةَ على حجرٍ فلسفيٍّ تليد. لستُ فيلسوفًا ولكنّي شاعرٌ محفَزٌ بالفلسفةِ بتعبيرِ بيسوا. أكتبُ وأعانقُ اللحظةَ محرّفًا الوقت، غافلًا عنّي واعيًا بما حولِي، نابذًا يومي منغمسًا بكونِي، حرًّا حتى فيما يقعُ عليّ جبرًا، أرتدي الأبجديةَ وشاحًا جهنميًّا يشتعلُ من الداخلِ ويقضُّ سلامَ رُوحي الكسول، وتُحلّقُ بي الكلماتُ الى فردوسٍ أو جحيم.

١ أبريل ٢٠٢٤
شريف بقنه

صباحٌ جديد - شريف بقنه

شمسٌ تعوّلُ
على الماضي السّحيق،
ولا زِلْنا نردِّدُ كلَّ يومٍ  
"صباحٌ  جديد".
نصحُو 
بلا قصدٍ مثل حجِرٍ
بلا سببٍ مثل قدَرٍ، 
نلبس جسدًا لا نعرفُه
ونداولُ الأيّامَ خبزًا
يسدُّ رمقَ المتعبين. 
نهيمُ في عتمةِ اللَّيل، 
ونشجُبُ التّكرارَ لزمنٍ 
موبوءٍ بمرضِ التخلّي المرير. 
نحاولُ، نكدُّ ونكدحُ 
كي لانفعلَ شيئًا. 
نحاولُ والحدسُ دليلُنا
الحيرةُ كنزُنا، 
والمدى طَللٌ تناثرت 
فيهِ عظامُ البشرِ
تغشاهُ غيومٌ تخثّرت 
في حلقِ السّماءِ، 
والطّريقُ إلى اللهِ
مقطوعةٌ. 

22 يوليو 2024

حارسُ الفناءِ - شريف بقنه

أنا اسمِي وفمِي ويدِي  
صوتِي ومعطفِي 
تلك أشيائي، من أنا؟  
 يسألُنِي ظلِّي الناسكِ. 
معالجٌ جريحٌ
يجتاز المسافات الرّمادية 
يقدحُ شرارةَ  الوعي في خِدرِ الظَّلامِ، 
والنَّهارِ فرخٌ نائمٌ في عشِّهِ السِّرِّيّ 
والمحيطُ حوضٌ فارغٌ 
ينتظرُ فِرارَ حُورياتِهِ
من بطشِ أپولو وهرميس وآرتميس،
والانتباهُ المفرطُ يتدربُ على
بروفاتِ دراما اليومِ. 

أقاومُ الخرابَ وتلفَ الرُّوح
أناضلُ أسفلَ الجبلِ مع سيزيف
تتفرّسُ بي بيثيا،
 تخبرنُي أنَّ المِطرقةَ 
هشَّمتْ رأسَ الحكمة.
أستعملُ جسدًا ويفلتُ 
الوقتُ من يدي، 
لا أملكُ سوى إيمانٍ متقلّبٍ 
وقلقٍ مُطاردٍ فادحٍ. 

أنا حارسُ الفناءِ. 
طفرةُ الطّبيعةِ الشاردةِ
تبتكرُ تمرّدَهَا الصَّغيرَ         
ثم تُذعنُ للزَّوالِ،
تمتزجُ بنيازكِ التّلاشِي
تشارك الكونَ انفجاره الكبير.