16 يونيو 2019

اكتبها - شريف بقنه


وقدْ نعيشُ منتظرينَ لحظاتٍ لا نعلمُ عنها ولَا يتَّسعُ حدسُنا فيُدنيها وإنَّما تجتبيها صُدفةُ الأيَّام ونزَقُ الأقدار، لحظات تجلٍّ تتعطّشُ إليها الرُّوحُ ظَمْأَى وتقشر الحياة فيها نمَشَ المعاناةِ، تفكُّ أزرارَ قميصِها وتكشفُ عن حُسنها متكئةً على حافّةِ السَّريرِ، جذْلَى. اذهلْ في تجلّيكَ حينَها وابتهلْ سلوانًا لا يشوبُهُ ندَمٌ ولا يلحقُهُ استغفارٌ، ولا تفرِّطْ! لا تفرِّطْ بكلِّ ما فيهَا وأدّخرْ شيئًا منهَا واكتبْها.
اكتبْها على سُلَّمِ مخرجِ الطَّوارئ
فكلُّ ما تفعلُه حينَها 
محضَ عروجٍ سماويٍّ 
وكلُّ ما تكتبُه قصةَ نبيٍّ.
اكتبْها قبلَ أنْ ينتهيَ المشهدُ
يخلعُ الممثلون ملابسَهُم 
ويعودون لبيوتِهم في حارةِ النِّسيان.
اكتبْها قبلَ أنْ تتضاءَل
فالنَّدمُ  لئيمٌ والوقتُ قصيرٌ 
والأمانةُ كَسرتْ عواتقَ الرِّجال.
اكتبْها وأعلمْ أنَّك ستبذلُ 
الحبرَ مِن دمكَ والوقتَ 
من وجَعٍ يقرِّصُ بأظافرِهِ في قلبِك.
اكتبْها حتى تُفسدَ على الموتِ خُطَّتَه
تبعثُ الموتى من صدرِك أطفالًا جُدُدًا.
اكتبْها قبلَ أنْ تغادرَ السفينةُ 
وارمِ بالمرساةِ في محيطِ الحبْرِ،
ثُمَّ ارحلْ مطمئنًّا 
كمَنْ يعرفُ جيِّدًا أنَّهُ وقتُ الرَّحيلِ.