15 ديسمبر 2020

تذكَّرِ النِسيانَ - شريف بُقنه

علّقَ على كَتِفِه علبةَ صَفيحٍ كدّسَ فيها أيامَه، مَضى مَكْمُودًا كالعاثرِ في الشّوكِ يكتشِفُ الطَّريق، رشَقْته أغنيةٌ فسَقطَت أيامُه آحادًا تتدحرجُ في كل ناحيةٍ. جفَلَ وراحَ يجمَعُ كلَّ ما صادفَ من جنائزَ وجوائزَ وخساراتٍ وحسَراتٍ وبقيّةَ أمنياتٍ.

صافِحِ الذكرياتِ يا صاحبي
واتركِ الأيامَ ترحلُ بسلامٍ،
لحْنٌ، قشعريرةٌ، شجنٌ، سلطَنةٌ 
وجَعٌ، تَجلٍّ، اِنعتاقٌ
هكذا تَجري الأمورُ.
أن تسقُطَ في فخاخِ الغِوايةِ
وتستحيلُ الخساراتُ 
ندباتٍ في القَلْب
نحتٌ مقدّسٌ يزخرف قلبَ الناحِلِ.
كورالٌ ينشدُ كارمينا بورانا:
بحرٌ متلاطمٌ من الأقدارِ ‏العبثيّةِ
ودورةُ حياةٍ لا تكفُّ عن التّكرار
كائناتٌ مبعثرَةٌ في كوْنٍ هُلاميّ
وزمنٌ مسافرٌ في قطارِ المَجْهول
كلُّ شيءٍ هشٌّ هنا 
حتّى احتمالاتُنا الطارئة.
أضعْنا الكثيرَ من الوقتِ في تنظيمِ العالَمِ
وفاتَنا أنَّ ثمّة هفوةً 
ثمّةَ نَبْوَةً لم نُعِرْها ولو قليلًا،
لم يُخلَقِ العالمُ من أجلِ سعادتِنا
نتسكّعُ هكذا عادةً 
والوقتُ يتولّى البقيّة،
ساذجين، بُسَطاءَ 
نحبُّ السُّخريةَ والنِكات.
هكذا تجري الأمورُ.

يا صاحبي
اِحذرِ الليلَ حانةَ العسْكَر
تذكّرِ النسيانَ 
إنْ كان عليك أن تتذكّرَ
هل من جنّةٍ أجملَ من ذاكرةٍ سيئة!
لا تصدّق بعمقٍ حتّى تؤمنَ 
وكُن ممتنًّا لحُزْنك
‏فكلَّما ازددتَ حزنًا 
ازددتَ جمالًا
وأَبْرَقَ ومْضُ العارفين 
من عينَيْك
رغمَ كلِّ الظلامِ
رغم الأذى.

الرياض ٤ سبتمبر ٢٠٢٠ 



* نُشرت في مجلة اليمامة 17/09/2020