25 نوفمبر 2012

الإنسي

أتذكّرُ حينما تلفّتَ النائمُ وقال لي: وجودُك أسْعَدني فلم أكُن أعلَم أنّني في حُلُم حتّى أفقتُ بك. فقلتُ: إنّ وجودي لا يُؤكّد إلاّ أنك مخدوعٌ تَنامُ حلماً آخراً.

تظنُّ أنّك مَقذوفٌ في مِضْمار السّباق تزاحمُ الأوغادَ وتتسوّل! تواطأتَ معهُم وغلّقْتَ ثُقوبَ السّماءِ فتُهتَ بعميهم. جُعبتكُ مِفْرَزةُ الضّلالِ، و لأنّك مَخلوقٌ استثنائيّ ترقَى بتخيلاّتك مراتِب القُدَرات الفائِقة، جازَ لكَ لياقة، أن تكونَ الوحيد الذي يختبّأ في سَراويل و ذلك لا ينفي فَرضيّةَ أنّك الماكرُ الأكثَر خبثاً تخبّئ داهيتَك في خِرْقتك. و إذا كُنتَ تعتقدُ أنّ الأرضَ قاطِبة تنصاعُ لإمْرتك، فلتَعْلم أنّها لمْ تُخْلق لأجلك، و أنّك مجرّد نِظام بَيولجي عابر يعيشُ تجربتَه و كلّما أفسَدَ فيها كلّما انقرض. و إن قُدّر للبشريةِ فلم يستطع أحَدٌ أن يَبقى عاقلاً!. فلا عُذر لك! ولن يَبقى حينها غير خطأك! وستَقْضي في ذات اللحظةِ قاتلاً ومقتولاً. وطالَما وطأت بقدمِك علامةَ الشّارع فلتكُن على تحسّب أنك قد تُغدَر فتنهدرُ على رأسك قمامةُ السّماء، أو قد تُغدَر (من دون معجزات) فتهرَم كهلاً كسيحاً بجلبابِه المغبرّ يهيمُ بمسّه! يحملُ في جيبه عَجْز أنثى ماتت محترقةً وينتهي قدَره المشؤوم بالمَوتَ رجماً بالحجارة.


أنتَ في المِضْمار، و ينظرُ اليك الله والملائكةُ والشياطينُ والجنّ ومرَدةُ الإنس واليعاسِب والخفافيش. أنتَ في المِضْمار، والجميعُ يتفرّج اندحارَك أبدَ الدّهر مضطهداً بعطفك! بين شرّك و ألَمك تكنزُ البؤس حُلُمك المعطّل!. أظلّ أنا حسُود سقطاتك! أتأبطّك كلما خانتك جادّتك و أستنزفك الوقتُ قهراً و خِسّة! تنظُر بشَزَر ساعة الحائِط تُرتّل مِحْنة الثَواني.! كم تمنيّت (تَجرّداً) أن تتعانقَ عقاربُ السّاعة حتى تصغُرَ زيتونة في صَحْن الفَراغ!. ولكن، ليسَ لكَ أنْ تتوقّع مزاجَك!.

أيّها الشَمردلُ الغارق في حُلُمه! أعدُك أن أصبحَ غَثَيانك يداهمك وحيداً كُلّما نِمْت.! فلتَعْلم أنّك قد لا تعدو غير ثَرْثرة ذِهْنية تشتعلُ وتنطفئُ كلّ يوم! أو أنّك مجرّد روبّوت دَمويّ مُبَرمَج تفورُ من خميرته أنفاسُ الحَياة! و أنّك دائماً تخبَلُ من المَوْت، ولكَسَل الحُبّ في روحِك علاقةٌ بكَسَلِك الجَسَديّ الطافَح، و أنك لا تلبثُ أن تأثم حتى أزاول التّكفير عَنْك، فلا تَمْتعض!! و اربُطْ عِقالَ النّاقةِ في شَحْمةَِ أذنك و ارتعِدْ! أيها القادمُ من المَوْت السّحيق!.. هكذا أراكَ تتجشّأ الهَوان!.

أحُدّثك حديثَ من يُثرثر بسِيجارته قُربَ أنفك عند مَوقف البَاص ! فلست أتكلّف مُشاهَدة تقاطيعَ وجْهك اليابس كلّما نَهرْتك! بأن لا تُجادل و لا تُعاند ولا تَبتذِل! و إياكَ أن تكون رجلاً مبالغاً فيه يبعثُ على السّأم! و لتَكُن على يقين أن لهيبَ سيجارتي هذه سيلسعُ إصبعك وإن كنت مسكوباً قصعةَ جليد. فلتخلِ إباحيّتك و تكفّ ضغينتك! و عُدْ إلى نباهتِك بالإشارة تومىء! أم فارقتَ المذاقَ الرفيعَ لِحَنَقِكَ حين فَقَدْت حَدْسَ إيمائك!. كما أحذّرك، فلا تَخضَع أو تنتظر التتويج! وإنّما اركُنْ بمؤخرّتك في مقعدِك و ترقّب تأوّلات خيالاتِك. و لتفنِ لحظاتك اجتباءً لستَ ترتقِبه و لنْ تتكبّده بل تُمارسه مُتعة المُعتاد فلا تملّ أو تكل.
الآن، أتركك و أعلمُ أنّك زائِغٌ لا تستقيم على صِراطٍ أو طَريق.

--------------------------------------------------------
(مُدُن العُزلة) د. شريف بُقنه الشّهراني - المؤسسة العربية للدراسات والنشر/2007 – الطبعة الأولى