‏إظهار الرسائل ذات التسميات فلسفة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فلسفة. إظهار كافة الرسائل

19 أبريل 2024

طيفُ الحقيقة - ديفيد ولبِرت | تحرير: كاميرون آلان ماكين

ترجمة: شريف بقنة – تحرير ومراجعة: بلقيس الأنصاري
قد لا يُمكن للعِلم والرياضيات القبض على الكون الماديّ بشكلٍ كامل. هل ثمَّة حدود يصعب على الذَّكاء البشريّ تجاوزها؟
على الرغم من إنجازاته الفكرية العديدة، إلا أنني أظن أنّ هناك بعض المفاهيم التي لا يستطيع كلبي تخيّلها أو حتى التفكير فيها. يمكنه الجلوس بحسب الأوامر وإحضار الكُرة، لكنّه لا يستطيع تخيّل أنّ العلبة المعدنية التي تحتوي طعامه مصنوعة من الصخور المُعالجة. أظنّ أنه لا يستطيع تخيّل أنّ الخطوط البيضاء التي تطول ببطءٍ في السماء، والتي تنتجها آلات مصنوعة أيضًا من الصخور، تمامًا مثل علب طعام الكلاب. أظنّ أنه لا يستطيع تخيّل أن عُلب طعام الكلاب المُعاد استخدامها في السماء تبدو صغيرةً جدًا فقط لأنها شاهقة الارتفاع. وأتساءل: هل هناك أيّة طريقة يمكن من خلالها لكلبي أن يستوعب أنّ مثل هذه الأفكار موجودة بالفعل؟ لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى ينتقل هذا السؤال لمكانٍ آخر. سرعان ما بدأتُ أتساءل عن المفاهيم التي لا أعرف أنها موجودة: المفاهيم التي لا أستطيع حتى تخيَّل وجودها، ناهيك عن التفكير فيها. ما الذي يمكنني معرفته عن ذلك الذي يقع خارج حدود ما يمكنني تصوّره؟
محاولة الإجابة على هذا السؤال تقودنا -فقط- إلى طرح المزيد من الأسئلة. في هذا المقال، سأعبر سلسلةً من ١٠ استفهامات تنقل نظرةً ثاقبة حول كيفية تصوّر ما هو على المحكّ في السؤال، وكيفية الإجابة عليه (وهناك الكثير على المحكّ). إنّ السؤال حول ما يمكننا معرفته وما يقع خارج حدود خيالنا يتعلّق جزئيًا بالوظيفة البيولوجية للذكاء، وجزئيًا يرتبط بأعظم بدَلاتنا المعرفية، خاصةً اللغة البشرية وعلم الرياضيات. يتعلّق الأمر أيضًا بإمكانية وجود واقع مادّي يتجاوز بكثير واقعنا أو واقع محاكاة لا نهائيّ يعمل في أجهزة كمبيوتر تعود لأشكال حياةٍ غير بشريَّة مُتقدِّمة. ويتعلّق الأمر بذريّتنا التكنولوجية، هؤلاء “الأطفال”، الذين سيتفوّقون علينا معرفيًا يومًا ما. من منظور استفهاماتي العشرة، تصبح الاستثنائية البشرية مُهتزة للغاية. ربما نكون مثل الكلاب (أو باراميسيا وحيدة الخليَّة)، ويصعب علينا الاعتراف بذلك. على الرغم من أنّ تاريخ البشرية مليء بشهادات اِفتتانٍ عن ألمعية الإنسان وذكائه، فإن هذه السلسلة من الأسئلة ترسم صورة مختلفة: أريد أن أؤكد المدى الفظيع، وربما المرعب، لمحدودية إنجازاتنا؛ لغتنا وعِلمنا ورياضياتنا.
وهكذا، فإنّ السؤال الأوَّل في السلسلة ببساطة:
١- على مقياسٍ موضوعيّ غير محدَّد، هل نحن أذكياء أم أغبياء؟
لفتراتٍ طويلة من الزمن، يبدو أنّ مستوى الذكاء الأعلى على الأرض قد زاد ببطءٍ شديد، في أحسن الأحوال. حتى الآن، تقوم أدمغتنا بمعالجة المعلومات الحسِّية الحركية باستخدام كلّ أنواع الحِيَل الحسابية التي تسمح لنا القيام بأقلّ قدر ممكن من التفكير الفعلي. هذا يشير إلى أنّ التكلفة المرتبطة بالذكاء مرتفعة. اِتضح أنّ الأدمغة غالية التكلفة من الناحية الأيضية بشكلٍ غير عاديّ على أساس كل وحدة كتلة، أكثر بكثير من جميع الأعضاء الأخرى تقريبًا (باستثناء القلب والكبد). لذا، كلَّما كان الكائن الحيّ أكثر ذكاءً؛ كلَّما احتاج إلى المزيد من الطعام، أو ربّما يموت. من الناحية التطوُّرية، من الغباء أن تكون ذكيًّا.
ليس لدينا فهم جيّد للكيفية التي تمنحنا بها أجهزتنا العصبية الذكاء التجريدي. نحن لا نفهم كيف “يصنع الدماغ العقل”. ولكن بالنظر إلى أنّ المزيد من الذكاء يتطلَّب المزيد من كتلة الدماغ، ما يؤدي إلى مزيدٍ من التكلفة الأيضيَّة، يتوقع المرء أن يكون لدينا أدنى مستوى ممكن من الذكاء التجريدي المطلوب للبقاء على قيد الحياة في المجال البيئيّ الدقيق والذي تطوّر فيه الإنسان العاقل: الحدّ الأدنى من الذكاء المطلوب لعبور عدة ملايين من السنين بالصيد والتزاوج حتى أصبحنا محظوظين ووجدنا أنفسنا في ثورة العصر الحجريّ الحديث.

26 نوفمبر 2021

قراءة في كتاب «مابعد النظام» جوردان بيترسون

 كتاب Beyond Order: 12 More Rules for Life (ماوراء/مابعد النظام: ١٢ قاعدة أخرى للحياة) آخر كتب جوردان بيترسون، الفيلسوف الكندي وبروفيسور علم النفس الإكلينيكي في جامعة تورنتو. كتابٌ مذهل مثل بقية كتبه ومحاضراته ولقاءاته. كتبه في فترةٍ اعتبرها الأكثر رعبًا و فضاعةً في حياته، حيث كان يعاني في الأعوام ٢٠١٩-٢٠٢٠ متلازمة التململ الحركية Akathisia، وهي متلازمة قد تسبب الانتحار وفي غاية التعقيد من ناحية التشخيص أو العلاج. من متابعتي للبودكاست الخاص به في تلك الفترة؛ اتضح أنها كانت نتيجة أعراض انسحابية لعقار البنزوديازبين و أدوية اكتئاب SSRIs قرر التوقف عن تناولها. المهم أن بيترسون الآن بخير وفي أفضل حالاته تقريبًا. يصنّف الكتاب ضمن كتب مساعدة الذات Self-help ويصنف كذلك ككتابٍ فلسفي ونفسي. ولأنني لا أميل لكتب تطوير الذات، كان الجانب الفسلفي والديالكتيكي والتنظير السيكولوجي أكثر ما جذبني فيه. 

17 سبتمبر 2021

شذرات من كتاب «مذكرات العمى» جون هال

"هناك العديد من السير الذاتية التي كتبها المكفوفون - روايات وسرديات مؤثّرة وملهمة في آنٍ واحدٍ - تُبْرز الآثار العاطفية والأخلاقية للعمى في الحياة، ونوعيّة الإرادة والفكاهة ورباطة الجأش اللازمة لتجاوز المحنة. هذا الكتاب ليس حكاية: ليس له بداية أو وسط أو نهاية واضحة؛ يفتقر إلى الادعاء الأدبي. إنه يتجنّب الشكل السردي نفسه وهو، في رأيي، تحفةٌ فنّية.

 ‏لم يُكتب: "أمسك بطرف الخيط*" في جلسة كحكايةٍ أو سردية، ولكن كُتِب وسُجّل على فترات - في البداية يوميًا، ثم بشكل دوري - بعد أن فقد البروفيسور هال بصرَه تمامًا، في الأربعينيات من عمره. ما يقدمه هو ملاحظات مؤثّرة في طبيعتها ووضوحها، ملاحظات حول كل جانب من جوانب حياته وعالمه الداخلي الذي تحول وقتها وبشكل مُرعب. يصِفُ كيف يعبر الشارع. كيف يمكن للمرء أن يضيع بشكل مروّع وكلّي عندما يكون أعمى؛ كيف يجد المرء نفسه مُتجاهلاً أو مستصغرًا؛ كيف أن ذكريات وصور وجوه الناس، وجه المرء أيضًا، لم تعد مُحدّثة لافتقاد الرؤية الفعلية، تصبح متحجّرةً أولاً، ثم باهتةً ثم تختفي تمامًا؛ كيف تتغير العلاقات مع الأسرة؛ كيف تصبح مفاهيم: "المكان"، "الفضاء"، "هنا"، "هناك"، "الحضور"، "المظهر"، بكل درجاتها، مع التقدّم في المرض والعمى، خالية تمامًا من المعنى. لم يكن هناك أبدًا، على حد علمي، كتابٌ فيه قراءة دقيقة ورائعة (ومخيفة) لكيفية التلاشي التدريجي للعين الخارجية، ليس ذلك فحسب، بل التلاشي "للعين الداخلية" أيضًا؛ الخسارة المطّردة للذاكرة البصرية، والصوَر البصرية، والتواؤم البصري، والمفاهيم البصرية (في وقتٍ ما، كان لا يتذكر ما إذا كان الرقم 3 يُشير إلى الخلف أم إلى الأمام)؛ في رحلته المستمّرة والتي استغرقت خمس سنوات وأخذته إلى الحالة التي أسماها: "العمى العميق".

 ‏الملاحظات كانت دقيقة، وبنفس القدر عميقة: أمعَنَ النّظر في كل شيء، واستكشفه إلى أقصى حدوده، كل تجربةٍ في الكتاب سلكت طريقًا، وأثمرت حصادًا كاملًا من المعاني. نظرات هال الثاقبة، وجمال لغته، تجعل هذا الكتاب شعرًا؛ عمق تأمّلاته يحولها إلى فلسفة أو فينومينولوجيا. لو كان فتجنشتاين  أعمى، لكتَبَ مثل هذا الكتاب، معبرًا عن أعماق فينومينولوجيا الإدراك المتغيرة على الدوام. وبالفعل، فإن استخدامه للاسكتشات القصيرة والملاحظات المُبهرة عنها، يجعل: "أمسِكُ بطرَف الخيط" مشابهًا وبشكل غريب للتحقيقات الفلسفية." أوليفر ساكس  (تمهيد الكتاب)

** ** ** ** **

8 يناير 1983

" إذا قبَلت هذا الشيء، وإذا أذْعنت، فسأموت. سيكون الأمر كما لو أن قدرتي على المقاومة، وإرادتي في المقاومة محطّمة. من ناحيةٍ أخرى، يبدو أن رفض الإذعان، رفض القبول، أمر عديم الجدوى. ما أحاول أن أرفض قبوله هو محْضُ الحقيقة.

هذه إذن هي المُعضلة. أنا في حضور واقعٍ لا يمكن تقبّله."

03 يونيو 2016

الغياب.. وقود الحب عند الفلاسفة

جريدة عكاظ - السبت 03/06/1437 هـ 12 مارس 2016 مالعدد : 5382

بداية من الواضح أن (الحب) قد يكون من أقل المواضيع تناولا لدى الفلاسفة، ربما تركوه للشعراء والروائيين. يعتبر كثير من الفلاسفة أن الحب في الغياب أكثر متعة منه في الحضور. وأن الغياب هو الوقود الشعوري في الحب. كما يعتبر العقلانيون أن الحب محض خديعة كبيرة وشعور ساذج ولا يستحق أن يصرف لها هذا الكم الضخم من الأشعار والكتابات، ذلك أنه علاقة مطردة تطلب المزيد والمزيد مما لا يمكن تحقيقه، وعند قسم آخر من العقلانيين ثمة قناعة أنه ليس هناك فرق بين الحب والعلاقة الجسدية، ويؤمنون بأن الحب لا يمكن أن يقوم ما لم تكن الغاية هي العلاقة الجسدية، وليس للحب أن يقود الإنسانية إلى عالم أخلاقي. ذلك أنه شعور أناني محض وغرائزي.