‏إظهار الرسائل ذات التسميات شريف بقنه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شريف بقنه. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 14 مارس 2024

رصاصُ الزمن - شريف بقنه

نشرت في مجلة اليمامة ٢٠٢٤/٢/١٥

١
تخليْنا عن أسئلةٍ عديدةٍ
وظلَّت بلا جوابٍ، تصالحْنا معها.
زهدنا عن أوهامٍ أخذتنا لحافةُ
الرؤيا حتى ذبلت في ذواتِنا،
وأهملنا حبلَ أحلامِنا الممتدَّ
منذُ أولِ يومٍ تسابقنا في
ساحةِ المدرسةِ، منذُ أولِ
لثغةٍ نطقَت بأمنياتنا.
ركضنا في لوثةِ الأيام
مسروقين مستلبين،
تسقطُ على أيدينا
الدَّقائقُ والساعاتُ تباعًا
تلقَى حتفَها برصاصِ الزَّمنِ.
حسِبنا السَّعادةَ مضيعةً للوقتِ
والطمأنينةَ مقبرةً وفخًّا،
لم نلتفتْ لخفَّتِنا ولا لطَيْشنا
وأذعنَّا للرَّغبةِ والنَّزوةِ والشَّرهِ.
بدّلنَا أجسادنَا مكائنَ نهمةٍ،
تنهشُ الدَّربَ وتجترُّ الأجلَ.

٢
لا شيءَ أرضيٌّ في مدينتنا؛
خدَّرتْنا المدينةُ وحبستْنَا
في أبراجٍ زجاجيةٍ، أزهقتْ
أيامَنا في دوامةٍ فاسدةٍ
يفوحُ منها الأرقُ والعرقُ
وعوادمُ السّياراتِ.
كأنَّ المعنَى هامشٌ مؤجلٌ
والمتنَ حياةٌ نموتُها
نقطعُها ولا نعيشُها.
يا لها من جسارةِ
صمودِنا في البقاءِ؛
كلُّ مرةٍ تتشظى أرواحُنا
في ماديةِ هذا العالَم.



الجمعة، 8 سبتمبر 2023

رفقة هايدجر، معية باتيرسون - شريف بُقْنه

"Gathered" George dawnay
«كان ميّتًا! وعرضوا عليه الحياة مرة أخرى»  
 
أيُّ حياةٍ تلك التي تستحقُ التّكرار؟ 
هل دُفنتُ دونَ أن أدري مع موتى تي اس إيليوت في الأرضِ الخراب، حلمتُ بطفولتي واستجديت زخّةَ الخلاصِ من سماء عذرية زرقاء، هل رأيتُ الخوفَ في" حفنةٍ من تراب" وبُعثتُ من جديد! 
أيُّ معنًى مجيدٌ في حياتي السابقةِ يستحقُ التكرار!  
أبحث عن المعنى لأدلّ الطريق مصافحًا فيكتور فرانكل، أجرّه من مرفقه وقدمُه مغلولةٌ في قضبانِ زنزانته النازية. أبحثُ عن المعنى معيّة جوردين باتيرسون نناضلُ ضلالاتِ ما بعدَ الحداثةِ، ونثقُ بوجودِ سرديةٍ لهذا العالَمِ. أبحثُ ورسالة ريلكه للشاعرِ الشّاب منحوتةٌ في صدري، شجاعٌ بما يكفِي "أمامَ ما هو أغربُ وأبعثُ على الدهشةِ، وأقلُّ قابليةً للإيضاحِ".  
هل تكونُ حياتي القادمةُ محاكاةً لحياةِ إدغار الان بو؛ تموتُ فيها امرأةٌ جميلةٌ، وتلهمُهُ غرابًا أسودَ! وكأنَّ الحدَثَ برمّتِهِ متعةٌ شعريةٌ رومانسيةٌ سوداء، أم أعيشُ حياتي لأشهدَ مأساويتَها على طريقةِ شوبنهاور! وكأنّ المعنَى كلَّهُ نكايةٌ بالمعنى.  
لا أنوي التقعرَ في الكلماتِ مع فيتغنشتاين واللغةُ فخٌّ لن أسقطَ فيهِ، لكنني أبحثُ عن الحياةِ! وأتفادى أنْ "أُقذفَ في العالمِ" رفقةَ هايدجر متورّطًا في البحثِ عن ماهيتي. على الرّغمِ من ألمعيةِ الوجوديينَ منقطعةِ النظيرِ وتحمّلِهم مسؤوليةِ التجربةِ والاختيارِ، إلَّا أنّني أبحثُ عن حياةٍ لا تتجانسُ ونظريةَ الأكوانِ المتعددة، ولا ترغمُنِي في النِّهايةِ على ممارسةِ التأمُّلِ أو الرواقيةِ أوالبوذيةِ للتنقيبِ عن العلة من داخلي. بعد أنْ فشلتْ فيزياءُ الكمِّ في التعليل، أبحثُ عن حياةٍ لا تبدأُ من عدمٍ ولا تنتهي بفناءٍ، حياةٍ لاتشبهُ الحياةَ.  
حكمةُ العوامِّ لم تكنْ مخيبةً، فلا يعنيهمُ المعنَى ولا تُربكُهم فجاءَةُ الوجودِ، ويخدّرُهمُ المالُ والجنسُ والشهرةُ والنجاحُ حتى يُقضى نحبهم. يقيمونَ في وعي دونالد هوفمان ويعيشون محاكاةَ جمعيةٍ "موهومة ومكيّفة". هل أرفضُ الحياةَ مرةً أخرَى، أرفضُ معضلةً استغرقتْ البير كامو العمرَ كلَّهُ، عندما ساوَمتْه نفسُه على الانتحارِ. الانتحارِ الذي كان لسيوران عزاءً في لياليهِ السوداءِ وعملًا متفائلًا شجاع. 

هل أحببْتها - شريف بُقْنه

G.Dawnay - Apparition
تنظرُ إليها،
وينبثق السؤال في أناك
هل أحببتها؟ أم أحببت نفسك؟

هل أحببتها
وتعثرتَ في مطبّاتِ الرَّغبة.
أحببتها مجموعةَ أعضاءٍ
تصيبُك بارتباكٍ، منحوتةٌ
رومانيّةٌ تنضحُ بالصِّحةِ والحياةِ
تبعثُ كلَّ شيءٍ جديدًا طريًّا،
تجعلُك تشكرُ اللهَ أنَّهُ ابتكرَ
الموتَ حتَّى لا يذبلَ الجمالُ.

هل أحببْت سحرَها؟
لأنَّها المسكنُ والمنتهى.
ترمّمُ الخساراتِ وتقوّضُ
الخيباتِ التي مُنيت بها
رُوحُك، رغمًا عنِ الألَمِ
والضَّحِكاتِ الكاذبةَ
والضجرَ والموت.
لأنّها بستانُ نخيلٍ
في أرضِكَ المحترقةِ،
فضاء لازوردي
لسمائك المهتوكة.

هل أحببْت ما تقولُه؟
ما تمثّلُه في هذا العالَم!.
كينونةٌ واعيةٌ وموقفٌ وجودي،
امرأةٌ تتعالَى على مالا تعرفُه
تفتَح قوسًا ولا تغلقُه، وتشغَلُ
حياتَها بالنّومِ والملذاتِ وقراءةِ
ملارميه ودوستوفيسكي.

هل أحببتها؟
لأنك أحببت نفسَك.

تهويمات وجودية - شريف بُقْنه

السّماءُ
حريقٌ أزرقُ
كوّةُ الأسرارِ ومعملُ اللَّايقين،
خزانةُ المعادلاتِ والقرارتِ المقدسة. 

الأرضُ
كرةٌ قذفَها الحريقُ وضلّتِ الطّريق، 
كلّما تأمّلتُ فيها كلما وجدتُ 
أنها بلا جدوى.

الحياة 
محاولاتٌ مستميتةٌ للقبضِ على السّعادةِ.
مسيرةُ المجهولِ، حلقةُ الفوضى،
نخبُ الحظِّ والجذلِ والسلوَى.

الموت 
هزيمةٌ غيرُ منطقيةٍ. 
نبيٌّ صامت، نهرُ العدَمِ 
يجري بين جنبينا. 

البشر 
تاريخٌ موجزٌ للأخطاءِ.  
سلالةُ التائهين، عبيدُ المزاجِ
وحرّاسُ الفناءِ. 

الحبُّ
رغبةُ أنْ يكونَ الجمالُ.
كلَّ ما هو صباحيّ. 
موقدٌ ناعمٌ وزغَبٌ خشنٌ. 

الوجعُ
فنُّ الحياةِ وخطؤُها. 
شامةُ الحُسنِ على وجنةِ الأيَّامِ. 
الفتنةُ 
كمالٌ معيبٌ، 
خطأٌ صحيحٌ.

الغايةُ
أنْ نجدَ الغايةَ. 

الصمتُ 
 كانڤسٌ فارغ، 
 صوتُ الأسرارِ ومقبرةُ الكلامِ.

النّهايةُ 
لا نذهبُ إليها
تأتي إلينا متى ما شاءت.

أنتِ.. المرآةُ
براءةُ الكونِ وغموضُه
عنفوانُه وفوضويتُه.

عزلةٌ مَهيبة - شريف بقنه

Jaime' Pondering Existential Dread Painting richard odabashian
وحيداً
في عزلة مهيبة مثل
حصانٍ حزين ينسحب بعيدًا،
عزلةٌ تذكر بأيام الخلق الأولى
عندما كان العالم مسرحًا
للتجارب والتشرّد والنزوات.
شاردًا في وسواسه، مهادنًا
المعنى، محمولًا على الريح،
يسكنُهُ الشكّ أكثر من اليقين؛
وهل ثمّة من يقين؟
والمصير ماء وسؤال حزين:
هل تتعطل قوانين الفيزياء في الجنة؟
هل الخير خيرٌ له؟
هل الفكرة ممكنة بلا معجم كلماتها؟
ماذا لو كتب رامبو شيئاً بعد أن أكمل التاسعة عشر؟
أي حنجرة تلك التي تحدّث قلبه؟
أي حياة صنعها بلا قصدٍ لنفسه؟ تحاكي حياة آلان بو.!
كيف يغفر للموت والقدَر جاثيًا على ركبتيه!
ما أكثر السماء و ما أقلّه.

الثلاثاء، 17 يناير 2023

حلُمٌ بربري - شريف بقنه

Self by G.Dawnay
"ها أنذا واقفاً بين يديك، لا أستطيع أن أفعل غير ذلك"
‏من صلاة للاهوتي الألماني مارتن لوثر (١٤٣٨-١٥٤٦)

تعطّل الوقت ويبُس الكلام،
زمنٌ محبوس في قارورة والفم
فوّهة مذعورة. جفتني الطمأنينةٌ
منذ أن كُسرت جرّتي وانسكبت
أقداري. ماذا عساني أفعل؟
أرسل بأجوبةٍ عن سؤال مستحيل
أروض اللانهائية و اتخبأ في زاوية الدائرة
أبحث فيّ عنّي. أجرّب خدعةَ الوعي تارةً
وأعبر وهم كينونتي، انقطع عن اللحظة
أتوحّد في أوْج وعيي، لا أتجنبه.
تَخور فرائصي بأوجٍ باهظ، مربكٍ وثقيل.

أشعرُ أنني لا أصلحُ لشيء، كيسٌ هلامي
بقدمين أو بهلول بنخاعٍ شوكي.
تمضغني الدقائق علكةً عابرة، أباري
الأسئلة سجالًا لا ينتهي وينقصني
قبَسُ الرشاد وسلوى المعنى.

كل ما علي أن أزْجي الوقت أو ربما
يُزْجْيني، أترك للطبيعة أن تأخذ مجراها.
آكل، أنام وأقضي حاجتي، منومٌ
مغناطيسيًّا في هذا الحلم البربري.

مِنَ السّذاجةِ أن نفعلَ أي شيْءٍ بالكلمات،
والنجومُ ليسَت سِوى بصَقاتٍ منثورة
في السّماء؛ يقول لي ماياكوفيسكي.
أتوقّف عن التفكير وأترك للموسيقى
المهمة، أنصت لصوتٍ بعيد:
"سافر.. إياك أن تصل، الفائز
من يقفز أعلى في المجهول"


الجمعة، 6 يناير 2023

موعد غرامٍ مع التعب - شريف بُقْنه

By G.Dawnay
"لا أرى الطَّبيعةَ إلّا مشهدًا للخيرِ" رامبو

منذُ ابتكارِ فكرةِ الانتظارِ
والأوقاتُ تشربُنا ماءً حيرانَ
يقطُرُ من ثقوبِ أرواحِنا المُتعبةِ.

منذُ نادمتْنَا الشُّرورُ: ألمٌ ومللٌ وموْتٌ؛
والعمُرُ ينحتُ بأنيابِهِ قسَماتِ وجوهِنا
والأيّامُ تهزمُ أعظمَ آمالِنا
تعضُّ على رقبةِ الحُلْمِ
وتهشِّمُ رأسَ النَّشوةِ
بإزميلِ القدَرِ ومسمارِ الحظِّ
بمطرقةِ الفوضى،
رغم أنّهم أخبرونا أنَّ الفرَحَ
ليسَ كثيرًا علينا
وأنَّ اللَّحظةَ الحاضرةَ أثمنُ ما لدينا،
وكأنَّ الشَّكَّ والرَّجاءَ ضريبةُ
أحلامِنا المرجوة ورؤانا الموعودةِ.

منذُ أكلنا تفاحةَ طفولتِنا
ونحنُ ندفعُ ثمنَ الهواءِ عرَقًا جهنميًّا،
رغم أنهم أخبرونا أنّ في الدّنيا
طعمًا لا يُكتفى منه، أحلى
منَ الملحِ وأصفى من العرَقِ.
وكأنّ الدّرسَ لا يمكنُ تعلّمُه
إلّا على الطّريقةِ الأقسى.

منذُ آلافِ السنين ونحن
أباطرةُ الموتِ سلاطينُ التبرُّمِ
نورِّثُ الخوفَ والحربَ والكسلَ،
لا نُولدُ جميلين.. يا للأسى!
تنتخبُ الحياةُ الأرواحَ الجميلةَ
وتمكرُ، تنصبُ فخاخَها خِلسةً
تخدُّرنا باليومي وتسحقُنا بالشُّؤمِ
كائناتٌ هشةٌ سوداويةٌ ومؤقّتةٌ!.
رغمَ أنَّهم أخبرونا أنَّ الحياةَ موعدُ غرامٍ
وأنَّ صيفًا واحدًا يُنهي حصارَ ألفِ شتاءٍ.
وكأنَّ السعادةَ مِنّةٌ والطمأنينةَ صدقةٌ
والطريقَ معبّدةٌ بالشوكِ والحمِم.

الخميس، 5 يناير 2023

جمالٌ مستهترٌ أنجزَهُ التَّعب

Automat, 1927 by Edward Hopper

"إنِّي رأيتُ اللَّيل يقدِّمُ كلَّ أوراقِ اللُّجوءِ
لشامةِ امرأةٍ وحيدةٍ." محمد عبدالباري 

مثقلةٌ بالخطايا
ولكنّكِ جميلةٌ،
جمالٌ مستهترٌ أنجزَهُ التَّعبُ
لا يبوحُ إلَّا بسهوِ الأبديةِ،
جمالٌ وحشيٌّ تركتْهُ أقدارٌ نزِقةٌ
افترسهُ فمُ اللّيلِ ومزَجهُ
غبارُ الزّرقةِ السّرمديّةِ.
يُرعبُنِي مِثلُ هذا الجمالِ أحيانًا،
يصطدمُ بي تيّارًا لا مرئيًّا يعسرُ
على الفَهمِ، وأزعمُ أنَّ خطأً كونيًّا
فادحًا لابدَّ وأنْ وقعَ،
خطأً نزيهًا وممتدحًا.
هيبةُ المجهولِ ربّما
سحرُ الغامضِ ورهبةُ التّيهِ،
يحدثُ هذا معي أيضًا،
عند استماعي مقطوعةً لهانز زيمر
عند تخشّبي مشدوهًا أمامَ لوحةٍ
لا تُقدَّرُ بثمنٍ، وعندَ وقوفي
قربَ رأسك.. متأملًا 
عينيكِ نائمتين.

 شريف بقنه 

الخميس، 23 يونيو 2022

موجز اللاشيء - شريف بُقْنه

"لا نستطيعُ تعريفَ شيءٍ إلَّا عندما لا نعرفُ أيَّ شيءٍ عنهُ." خورخي لويس بورخيس

١
في البَدءِ كانتِ الكلمةُ،
انسلخَ الزَّمنُ من ضلعِ المادةِ
واسْتُؤْنِفَ مهرجانُ الكونِ.
انشطاراتٌ، غبارٌ، لوثةٌ وأصباغٌ
أجرامٌ تُقذَفُ وغازاتٌ تفورُ
من حنجرةِ الوقتِ،
معادلاتُ الخلْقِ اِستوَتْ
ودارتْ عجلةُ التكوينِ.
٢
يحبسُني طيفٌ قطبيٌّ
أحاولُ التّسلُّلَ منهُ لاستعادةِ
ولو ومضةً قصيرةً منَ اللَّاشيءٍ
قبلَ أن تُلفَظَ الكلمةُ وتُشفَّرَ الألوانُ،
عندما كان الظَّلامُ ماكرًا مستبدًّا
والعدمُ غامضًا نرجسيًّا، والأصواتُ
جُذوعًا مصلوبةً على صدْرِ الصّمتِ.

٣
لماذا يجبُ أنْ يكونَ هناكَ شيءٌ
عوضًا عنِ اللَّاشيء، قدْ تكونُ
الأشياءُ ذهانَ أدمغتِنا وكلُّ شيءٍ
ليس كنايةَ خيرٍ أو شرٍّ؛
إنهُ لا شيءَ دونَ أنْ نفكّرَ فيهِ.
في المحصِّلةِ لا تَدينُ لنا الأيامُ
بشيءٍ، لا تدينُ بمكافأةٍ أو تفسيرٍ،
يا لهُ من ضياعٍ!
فيزياءُ تُرضِخُ كلَّ شيءٍ طواعيةً.

٤
الحياةُ ما يعسرُ علينَا فهمُهُ،
أيُّ جسارةٍ تعبُرُ بنا قادمَ الأيَّامِ!
يبخِّرُنا الزَّمنُ ونفنَى، تبقَى
السّرديةُ فتيَّةً على الدَّوامِ،
مِثلُ جنزيرٍ مَهيبٍ يدورُ
في دولابِ الحقيقةِ أو عقربٍ
لا يرهقُهُ الدّورانُ في ساعةِ الحائطِ.


٢٩ ابريل ٢٠٢٢

الخميس، 10 فبراير 2022

اِشتغال النهار - شريف بقنه

١
نقِفُ.. على صخرةٍ مقذوفةٍ
في فضاءٍ أثيري
قبضةَ كون سرمدي.. ياللغرابة!
إلهي امنحنا المطرَ وقليلًا من الحظِّ،
وسنقومُ بالبقيّة.

٢
سبقَ وأنْ رأينا مثلَ هذا اليومَ،
ينسربُ الزَّمانُ ويشتغلُ النهارُ
تُولدُ الأسماءُ وتتبدلُ اللّهجاتُ،
نداولُ بعضَنا أسطورةً لنزدهرَ،
كلماتٌ فقط ..
وماذا تفعلُ الكلماتُ؟ والحقيقةُ
قابعةٌ خلفَ أسوارِ اللُّغة.

الجمعة، 10 ديسمبر 2021

حروبٌ وقُبُلات


١

الفنُّ نافذةُ السموِّ،
ونافذتي تُطلُّ على بستانٍ،
على اللّوحة الأصليةِ بالألوان
ريحٌ وطينٌ، طيرٌ وتينٌ، تسبيحُةُ الأشجار
تهدهد من سائلٍ برزخيٍّ سكبَهُ اللهُ وسمَّاهُ النَّهار،
تودُّ الحصاةُ لو تتسلّقُ بتلاتِ الزهرةِ
تودُّ الزّهرةُ لو تمتطي جناحَيِّ الفراشة.
وعندَ المساءِ، تهبُّ عاصفةُ الأوانِ
تكشطُ قشورَ المكانِ وتلفُظُ سائرَ الزَّمانِ،
يسقطُ ألفُ ألفِ عامٍ، شفقةٌ وغضبٌ،
حروبٌ وقُبُلات، نحيبٌ و سلوان.
دهرٌ يقصم عنقَ المكان
يثقبُ رئةَ اللحظةِ وينزعُ القمصان،
"في ليالي الرَّبيعِ القارصةِ حينَ تتفتحُ الأوراقُ
يتغلغلُ في العالمِ كلُّ ما هو مميتٌ"* وريّان.


٢
لم تكنِ السنين حنونةً على وجهِ العجوزِ،
تجنّبْ وطأةَ الزمنِ واحذرْ شفرةِ السؤال
أنت موجودٌ! ولا شيءَ يمكنُ عملُه
تجترحُ المعاني وتذرفُ الأهوال.
تذرِي الشكوكُ في هياج روحك،
وتمضي بك الحياةُ على طريقة «الطيار الآلي»
ترتجلُ أجنحتك، تحملُك وتلقي بك
صلصالًا مأسورًا في قصتك التي كتبت
واعتقدت أنها خلاصُك الختّال،
تكرّرُ أخطاءك، ولديك تلك القناعةُ الغريزيةُ
أن كلّ شيءٍ يُصلح ذاتَه تلقائيًّا.
تمضي الحياةُ بالتباسِها ولغطِها ولا تُفشي سرَّها
كذلك هي الغايةُ المراوغةُ للجمال،
رموزٌ ‏تستعصي على التفسيرِ والاحتمال.

٣
ضع نقطةَ انتهاءِ الجُملة، قبل اكتمال المعنى،
أشعلِ النّارَ في طريق الدليل، وللعابرين دخانُ التأويل،
لا شيءَ مُكتملٌ وإنما رُتوشُ احتمالات.
زمنٌ طويلٌ وكونٌ فسيحٌ وأقفاصٌ من ريح
لا يفلتُ منها سوى الشِعْر،
يلبس الأيامَ قفطانًا وينفخُ في الرُّوح
قيامتَها المرتجاةَ، يطوي المسافةَ
بين الحُلم والوعيِّ ويفسحُ الطريقَ
لجنّةِ الخطايا؛
تلك هي الحقيقةُ التي تنقذُ الحياة.

٢٩ سبتمبر ٢٠٢١
شريف بقنه
________________________
*«الأرض الخراب« تي اس ايليوت

الجمعة، 4 يونيو 2021

حياةٌ مجانيّةٌ - شريف بُقنه


قال له عندَ بوابةِ العالَمِ:
لن ترى ما أراهُ ولن أرى ما تراه
وثَمَّةَ ألف عامٍ لن يراها أحَد.
الليلُ نهارٌ هجرتْه عشيقتُهُ فأظلمَ،
تنتخبه الذّئابُ لتعويَ مكبّرةً في رأسك:
"انكأ جرحَك واندمْ على ما فات"
لأنّك حرٌ طليقٌ مرشوقٌ في الشتات،
حرٌّ حتى أنّك لن تعرفَ كيف تتدبّر حريّتَك؟
لك الحياةُ مجانيّةً بامتدادِ السماءِ
التي أوصدتِ الجهاتِ
مثل دَرفةٍ هائلةٍ مجهولةٍ ومنسيّةٍ،
سلسلةٌ مفلوتةٌ من المصادفاتِ
ليسَ ثمّةَ من يقينٍ فيها،
كلُّ شَيْءٍ ضَربُ تَخْمينٍ،
وغايةُ أن تنتهيَ من شيءٍ أن تبدأ آخرًا،
كلُّ شيءٍ "عالقٌ كقطراتِ النّدى على أنصالِ العشب."*

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

تذكَّرِ النِسيانَ - شريف بُقنه

علّقَ على كَتِفِه علبةَ صَفيحٍ كدّسَ فيها أيامَه، مَضى مَكْمُودًا كالعاثرِ في الشّوكِ يكتشِفُ الطَّريقَ، رشَقْته أغنيةٌ فسَقطَت أيامُه آحادًا تتدحرجُ في كل ناحيةٍ. جفَلَ وراحَ يجمَعُ كلَّ ما صادفَ من جنائزَ وجوائزَ وخساراتٍ وحسَراتٍ وبقيّةَ أمنياتٍ. 

صافِحِ الذكرياتِ يا صاحبي
واتركِ الأيامَ ترحلُ بسلامٍ،
لحْنٌ، قشعريرةٌ، شجنٌ، سلطَنةٌ، وجَعٌ، تَجلٍّ، اِنعتاقٌ
هكذا تَجري الأمورُ.
أن تسقُطَ في فخاخِ الغِوايةِ
وتستحيلُ الخساراتُ ندباتٍ في القَلْب، 
نحتٌ مقدّسٌ يزخرف قلبَ الناحِلِ
كورالٌ ينشدُ كارمينا بورانا:
بحرٌ متلاطمٌ من الأقدارِ ‏العبثيّةِ
ودورةُ حياةٍ لا تكفُّ عن التّكرار، 
كائناتٌ مبعثرَةٌ في كوْنٍ هُلاميٍّ
وزمنٌ مسافرٌ في قطارِ المَجْهول، 
كلُّ شيءٍ هشٌّ هنا حتّى احتمالاتُنا الطارئة.
أضعْنا الكثيرَ من الوقتِ في تنظيمِ العالَمِ
وفاتَنا أنَّ ثمّة هفوةً، ثمّةَ نَبْوَةً لم نُعِرْها ولو قليلا؛ 
لم يُخلَقِ العالمُ من أجلِ سعادتِنا
نتسكّعُ هكذا عادةً والوقتُ يتولّى البقيّة،
ساذجين، بُسَطاءَ نحبُّ السُّخريةَ والنِكات.
هكذا تجري الأمورُ.

الجمعة، 22 مايو 2020

دهْشَةُ الأطفالِ - شريف بقنه


"أوقفوا هذا العالم، أريد النزول!" رامبو


إلهي أضَعتُ
أمتعةَ أوقاتي ألهثُ وراء النجاةِ
النجاةُ من الوقتِ الذي أضَعْته،
أمضي حياتي بحثاً عن حياتي
لم أدركُ أن رحلةَ البحث
كانت حياتي.


إلهي وجَدْتُ
نفسي هنا و لا أعرفُ ما العمَل،
أظنُّ أن عليّ أن أعملَ شيئاً
و ليس لدي سوى الشَّكّ والملَل.
لا حاجةَ للطبيعة بي، ولا يُشْفِق
الوقتُ بأجَلي، و كأنه المـُراد
أن أتكيّفَ مع فزَعي،
مع الضّـآلةِ.

الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

رحلت ترتدي النهار - شريف بقنه


إلى ابني جواد

وداعًا لخجلِ الملاكِ، لقُبلة الصَّباحِ، لسرٍّ تُوشوشُ بهِ أذن أخيك فيضحك، لكيسِ حلوَى تقتسمهُ معه، لفرَحِك بصوت الباب يُغلُقُ عندما تجيءُ أختُك، لقَصّة شَعْرٍ جديدةٍ نفاجِئُ بها أمك. وداعًا لانضباطك، للاستيقاظ باكرًا، لواجب المدرسة، لملاءة سريرٍ تنتظرك مساءً عند التاسعةِ، لدعاءِ النَّومِ تُلّقنه أخاك، لتوّخي الملامةَ منِّي. وداعًا لاحتفالك، لرقصك عاريًا في المطرِ، لجمع حبَّات البرَدِ، لهتافك "فاز الهلال"، لقميصِ ريال مدريد، لثوبِ العيدِ، للعيدية، وداعًا للعيد مِن بعدِك.

الأحد، 16 يونيو 2019

اكتبها - شريف بقنه


وقدْ نعيشُ منتظرينَ لحظاتٍ لا نعلمُ عنهَا و لَا يتَّسعُ حدسُنا فيدركُها وإنَّما تجتبيها صُدفةُ الأيَّامِ ونزَقُ الأقدارِ، لحظات تجلٍّ تتعطّشُ إليها الرُّوحُ ظَمْأَى وتقشِّر الحياةُ فيها نمَشَ المعاناةِ، تفكُّ أزرارَ قميصِها وتكشفُ عن حُسنها متكئةً على حافّةِ السَّريرِ، جذْلَى.
اذهلْ في تجلّيكَ حينَها و ابتهلْ سلوانًا لا يشوبُهُ ندَمٌ و لا يلحقُهُ استغفارٌ، ولا تفرِّطْ! لا تفرِّطْ بكلِّ ما فيهَا وأدّخرْ شيئًا منهَا
واكتبْها،
اكتبْها على سُلَّم مخرجِ الطَّوارئ، فكلُّ ما تفعلُه حينَها محضَ عروجٍ سماويٍّ وكلُّ ما تكتبُه قصةَ نبيٍّ.
اكتبْها،
قبلَ أنْ ينتهيَ المشهدُ، يخلعُ الممثلون ملابسَهُم ويعودون لبيوتِهم في حارةِ النِّسيانِ.
اكتبْها
قبلَ أنْ تتضاءَلَ فالنَّدمُ لئيمٌ و الوقتُ قصيرٌ والأمانةُ كَسرتْ عواتقَ الرِّجالِ.
اكتبْها
وأعلمْ أنَّك ستبذلُ الحبرَ مِن دمكَ والوقتُ من وجَعٍ يقرِّصُ بأظافرِهِ في قلبِكَ.
اكتبْها
حتى تُفسدَ على الموتِ خُطَّتَه، تبعثُ الموتى من صدرِك أطفالًا جُدُدًا.
اكتبْها،
قبلَ أنْ تغادرَ السفينةُ وارمِ بالمرساةِ في محيطِ الحبْرِ،
ثُمَّ ارحلْ مطمئنًّا كمَنْ يعرفُ جيِّدًا أنَّهُ وقتُ الرَّحيلِ.

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

هكذا تقولُ الحياة - شريف بقنه

لقاءُ عاشقَيْنِ في مكانٍ
عشوائيٍّ لأوَّلِ مرَّةٍ،
وجْهُ أمِّك،
نظْرةٌ مارقةٌ من عينَيّ امرأةٍ
تنفذُ في قلبك أعمق من سهْمٍ
رشَقهُ صيَّادٌ،
وكأنَّ كلَّ شيْءٍ ناتجٌ عنْ صُدفةٍ،
لا بُدَّ أنَّهُ استثنائيٌّ
لابُدَّ أنَّهُ شهيٌّ.
هكذا تُصادفُكَ الحياةُ.

الوقوعُ في الغرامِ،
سِحرُ امرأةٍ جالسةٍ
وساقَاها متقاطعتانِ،
الانحناءاتُ التي خَطّها الرَّسَّامُ
في لوحتهِ التجريديَّةِ،
عمَّا نفعلُهُ دُونَ أنْ نفكِّرَ
ولوْ للحظةٍ
ما الذي نقصدُهُ من ذلكَ!
هكذا تُدهشُكَ الحياةُ.

الخميس، 12 أبريل 2018

الحوتُ الظمآن


سأعمل حطاباً في غابة النسيان،
أسجّر النار في جذوع ذكرياتكم الموجعة،
و أكشط اللحاء الرَثّ عن أحلامكم،
ناسياً قلبي موبوءً بوَجْده.

مُصابٌ بعمى الألوان
و أحمل لوح الرّسْم فيه عشرة ألوان،
سألوّن لكم الشفق
يرفرف على شفته هُدْهدٌ و طنّان
حتى تليق بكم الأيام.

سأكتبُ عن مغامراتكم العاطفية
كيف كانت النظرة الأولى،
والنشوة الأولى و القبلة الأخيرة.
و أذيّل رسائلكم
باسم الملاك الذي يحرس كَتِفك
بلا رغبةٍ أو حلُمٍ
أو قلبٍ شَرِبْته الأيّام.

الخميس، 15 مارس 2018

طويلاً جدّاً مثل منحوتةٍ لجياكومتي


أنجو من نشارةِ الكابوسِ بكفٍّ مُكابرةٍ تلوحُ من دياميسِ الوجعِ، لا تلبثُ أن يجزَّها منشارُ غيابِها. أهربُ من حصارِ فراقِها بقدَمٍ واحدةٍ تُقرفِصُ متعثّرةً في خرابِ صُوَرِها.  
عندما كنتِ ترقصين وفستانُكِ العوديُّ يكشفُ عن قدمينِ حافيتينِ، كنتُ أتصوَّرُ جاكسون بولوك يرسم لوحَتِهِ التجريديةِ ويرشُّ الزَّيتَ الملوّن هنا وهناك في لحظةِ نشوةٍ صاخبةٍ، والآنَ تغيبين طويلًا، طويلًا جدًّا مثلَ منحوتةٍ لجياكومتي. فراقُكِ موسيقى مرعبةٌ تجتثُّ أوردتي. غثيانٌ يضربُ الشوارعَ فتلفظُ كلَّ ما فيها، أهرولُ فيها نصفَ عارٍ حتى تبتلعني الأرضُ في كمينِ الفقد، أسقطُ وأنسى خوذتي على الفوَّهة. أستسلمُ ظمآنًا لأشربَ من الضّبابِ، أجمعُ الغيْمَ في فمي وأسألُ الشمسَ: أين ظلّي؟ فلم يعُدْ يتبعُني!. منذُ أن قال إينشتاين: إن السقوطَ في الحُبِّ ليس له عَلاقةٌ بقوانينِ  الجاذبيةِ، لم أعُدْ أثقُ بالفيزياء. أثقُ في أشياءَ صغيرةٍ، لا تسمو للمعادلات. ‏أثقُ بخطوطِ راحةِ يدكِ الصغيرةِ تفسّرُ أصلَ الأرضِ وكيفيةَ الفَناء، أثقُ بحدود الآيلاينر حولَ عينيكِ حدودًا خطَّها ستيفن هوكينج للكوْن.  
بعدَ أنْ ضاقت بيَ اليابسةُ وخانَني النّهارُ سِرْتُ مهزومًا على الماء، غيرَ أن ضوءَ القمرِ يعكسُ وجهَكِ الحزينَ على صفحةِ الماءِ. ملتحفًا بالسَّواد ألبسُ عباءةَ اللّيلِ حزنًا أتدثّرُ به، وأكتسي إحرامَ المحسورِ مُغمغِمًا أدعيةَ الكَرْبِ والفجيعةِ حتَّى أبلعُ فمي. 
لا يكلُّ اللّيلُ من غَسْلِ أرواحِنا المُتعبةِ كلّما نامت أجسادُنا، أنتهزُ الفرصةَ وأنصِبُ فخًّا للغياب، فينالُ منّي. أنتصرُ وأقولُ صدّقوني إنّني نسيتُهَا ولتذهبْ الى الجحيم. 
وذاتُ لحنٍ حزين، ذاتُ أغنيةٍ عشوائيةٍ من الرّاديو، نُسفتْ عن بَكرة أبي. 

٢ فبراير ٢٠١٧

السبت، 13 يناير 2018

عُلبة سردينٍ لا تَتّسع لحُلم

علبة سردين لا تتسع لحلم - شريف بقنه
١
نشتاق لجراحِنا؛ 
ونسلِّمُ أجسادَنا لجلّادِينا
علَّنا نستحضرُ شغفَ المشاعرِ وسَلْوى الوجع.
أخطأتْنا الأقدارُ
وضعَتْنا في عُلبةِ سِردينٍ 
لا تَتّسعُ لِحُلم،
لو أنَّنا حلمْنا ولم نستيقظْ
أوِ استيقظنا ولم نحلُم
ليتَنا اكتفينا بالحبوِ 
ولم نرتدِ بزّاتِ رقصٍ 
ونحنُ لا نعرفُ كيفَ نقِف.
ليتنا اكتفينا بالنَّظرِ الى ندباتِنا 
دونَ أنْ تعترينا لعنةُ الفضولِ 
وننبشُ جراحًا أغرقَتْ أسمالَنا وأغرقتنا.