19 أبريل 2024

طيفُ الحقيقة - ديفيد ولبِرت | تحرير: كاميرون آلان ماكين

ترجمة: شريف بقنة – تحرير ومراجعة: بلقيس الأنصاري
قد لا يُمكن للعِلم والرياضيات القبض على الكون الماديّ بشكلٍ كامل. هل ثمَّة حدود يصعب على الذَّكاء البشريّ تجاوزها؟
على الرغم من إنجازاته الفكرية العديدة، إلا أنني أظن أنّ هناك بعض المفاهيم التي لا يستطيع كلبي تخيّلها أو حتى التفكير فيها. يمكنه الجلوس بحسب الأوامر وإحضار الكُرة، لكنّه لا يستطيع تخيّل أنّ العلبة المعدنية التي تحتوي طعامه مصنوعة من الصخور المُعالجة. أظنّ أنه لا يستطيع تخيّل أنّ الخطوط البيضاء التي تطول ببطءٍ في السماء، والتي تنتجها آلات مصنوعة أيضًا من الصخور، تمامًا مثل علب طعام الكلاب. أظنّ أنه لا يستطيع تخيّل أن عُلب طعام الكلاب المُعاد استخدامها في السماء تبدو صغيرةً جدًا فقط لأنها شاهقة الارتفاع. وأتساءل: هل هناك أيّة طريقة يمكن من خلالها لكلبي أن يستوعب أنّ مثل هذه الأفكار موجودة بالفعل؟ لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى ينتقل هذا السؤال لمكانٍ آخر. سرعان ما بدأتُ أتساءل عن المفاهيم التي لا أعرف أنها موجودة: المفاهيم التي لا أستطيع حتى تخيَّل وجودها، ناهيك عن التفكير فيها. ما الذي يمكنني معرفته عن ذلك الذي يقع خارج حدود ما يمكنني تصوّره؟
محاولة الإجابة على هذا السؤال تقودنا -فقط- إلى طرح المزيد من الأسئلة. في هذا المقال، سأعبر سلسلةً من ١٠ استفهامات تنقل نظرةً ثاقبة حول كيفية تصوّر ما هو على المحكّ في السؤال، وكيفية الإجابة عليه (وهناك الكثير على المحكّ). إنّ السؤال حول ما يمكننا معرفته وما يقع خارج حدود خيالنا يتعلّق جزئيًا بالوظيفة البيولوجية للذكاء، وجزئيًا يرتبط بأعظم بدَلاتنا المعرفية، خاصةً اللغة البشرية وعلم الرياضيات. يتعلّق الأمر أيضًا بإمكانية وجود واقع مادّي يتجاوز بكثير واقعنا أو واقع محاكاة لا نهائيّ يعمل في أجهزة كمبيوتر تعود لأشكال حياةٍ غير بشريَّة مُتقدِّمة. ويتعلّق الأمر بذريّتنا التكنولوجية، هؤلاء “الأطفال”، الذين سيتفوّقون علينا معرفيًا يومًا ما. من منظور استفهاماتي العشرة، تصبح الاستثنائية البشرية مُهتزة للغاية. ربما نكون مثل الكلاب (أو باراميسيا وحيدة الخليَّة)، ويصعب علينا الاعتراف بذلك. على الرغم من أنّ تاريخ البشرية مليء بشهادات اِفتتانٍ عن ألمعية الإنسان وذكائه، فإن هذه السلسلة من الأسئلة ترسم صورة مختلفة: أريد أن أؤكد المدى الفظيع، وربما المرعب، لمحدودية إنجازاتنا؛ لغتنا وعِلمنا ورياضياتنا.
وهكذا، فإنّ السؤال الأوَّل في السلسلة ببساطة:
١- على مقياسٍ موضوعيّ غير محدَّد، هل نحن أذكياء أم أغبياء؟
لفتراتٍ طويلة من الزمن، يبدو أنّ مستوى الذكاء الأعلى على الأرض قد زاد ببطءٍ شديد، في أحسن الأحوال. حتى الآن، تقوم أدمغتنا بمعالجة المعلومات الحسِّية الحركية باستخدام كلّ أنواع الحِيَل الحسابية التي تسمح لنا القيام بأقلّ قدر ممكن من التفكير الفعلي. هذا يشير إلى أنّ التكلفة المرتبطة بالذكاء مرتفعة. اِتضح أنّ الأدمغة غالية التكلفة من الناحية الأيضية بشكلٍ غير عاديّ على أساس كل وحدة كتلة، أكثر بكثير من جميع الأعضاء الأخرى تقريبًا (باستثناء القلب والكبد). لذا، كلَّما كان الكائن الحيّ أكثر ذكاءً؛ كلَّما احتاج إلى المزيد من الطعام، أو ربّما يموت. من الناحية التطوُّرية، من الغباء أن تكون ذكيًّا.
ليس لدينا فهم جيّد للكيفية التي تمنحنا بها أجهزتنا العصبية الذكاء التجريدي. نحن لا نفهم كيف “يصنع الدماغ العقل”. ولكن بالنظر إلى أنّ المزيد من الذكاء يتطلَّب المزيد من كتلة الدماغ، ما يؤدي إلى مزيدٍ من التكلفة الأيضيَّة، يتوقع المرء أن يكون لدينا أدنى مستوى ممكن من الذكاء التجريدي المطلوب للبقاء على قيد الحياة في المجال البيئيّ الدقيق والذي تطوّر فيه الإنسان العاقل: الحدّ الأدنى من الذكاء المطلوب لعبور عدة ملايين من السنين بالصيد والتزاوج حتى أصبحنا محظوظين ووجدنا أنفسنا في ثورة العصر الحجريّ الحديث.هل هذا الاستنتاج صحيح؟ للخوض في مسألة ما إذا كنَّا أذكياء أو أغبياء، لا بدَّ من ملاحظة أنّ هناك أنواعًا متعددة من الذكاء. القدرة على الإحساس بالعالم الخارجي هي أحد هذه الأنواع، إحدى القدرات المعرفية؛ القدرة على تذكّر الأحداث الماضية نوعٌ آخر؛ القدرة على التخطيط لسلسلةٍ من الأعمال المستقبلية نوع آخر أيضًا. وهناك عددٌ لا يحصى من القدرات المعرفية التي تمتلكها الكائنات الحيَّة الأخرى، ولكننا نفتقر إليها. هذا صحيح كذلك لو أخذنا في الاعتبار الذكاءات التي صنعناها: أجهزة الكمبيوتر الرقمية الحديثة تتفوق علينا وبشكلٍ كبير من الناحية الحسابية بطرقٍ لا تحصى. علاوةً على ذلك، فإن مجموعة المهام المعرفية الصغيرة التي لا يزال بإمكاننا أداءها بشكلٍ أفضل من أجهزة الكمبيوتر الرقمية تتقلّص بشكلٍ كبير من سنةٍ إلى أخرى.
سيستمر هذا في التغيّر. من المحتمل أن تتجاوز قدرات الكائنات الأرضية المستقبلية المستوى الحالي لذكائنا المُعزَّز رقميًا. هذا الإحساس بالتوسّع المعرفي ليس فريدًا للحظتنا الحالية في التاريخ. فكّر في القدرة المعرفية الجَمْعية لكلّ الكائنات الحيَّة التي تعيش على الأرض. تخيّل رسمًا بيانيًا يوضح تغيّر القدرة الجَمْعية على مدار مليارات السنين. يمكن القول، بغض النظر عن التقنية الدقيقة التي نستخدمها في تحليل السلاسل الزمنية، وبغض النظر عن طريقة تشكيلنا وتعريفنا لـ”القدرة المعرفية”، سنستنتج أنّ خط الرسم البياني يرتفع إيجابيًّا بشكلٍ واضح. بعد كل شيء، لم يكن هناك فترة انكمش فيها المستوى الأعلى للقدرات المعرفية والتي تخصّ أيّ كيان في المحيط الحيويّ الأرضي؛ لم يفقد المحيط الحيويّ بأكمله القدرة على الانخراط في أنواعٍ معينة من القدرات المعرفية. أيضًا، ليس هناك نموّ فقط في درجة كل قدرة معرفية للأنواع الأرضية، ولكن هناك نموّ في أنواع القدرات المعرفية. أصبحت الحياة أكثر ذكاءً وبطرقٍ مختلفة. إذا قمنا ببساطةٍ باستقراء هذا الاتجاه في المستقبل، فنحن مضطرون إلى استنتاج أنّ بعض الكائنات الحيَّة في المستقبل ستتمتّع بقدراتٍ معرفية لا تمتلكها حاليًا أنواع أرضية أخرى؛ بما في ذلك نحن.
على الرغم من تباهينا بذكائنا أمام مرآتنا الجَمعية، يبدو أنّ لدينا قدرات معرفية محدودة للغاية مقارنةً بتلك التي سنمتلكها (أو الكائنات الأرضية الأخرى) في المستقبل.
ومع ذلك، قبل أن نشعر بالارتياح الكبير لهذا الاستنتاج، علينا أن نُلقي نظرةً أقرب قليلاً على الرسم البيانيّ الخاص بقدرتنا الجَمْعية. حتى قبل حوالي ٥٠٠٠٠ عام، كان الذكاء الجمعيّ على الأرض يتزايد تدريجيًا وبشكلٍ سَلِس. ولكن بعد ذلك، كانت هناك قفزة كبيرة حيث بدأ الإنسان العاقل الحديث في مسارٍ ما من شأنه أن ينتج في النهاية العلم والفن والفلسفة الحديثة. قد يبدو كما لو أنَّنا ما زلنا جزءًا من هذه “القفزة الكبيرة”، هذا التسارع المعرفيّ الهائل، والتفوّق لأنواع ذكائنا بشكلٍ أكبر من تلك الخاصة بأسلافنا من أشبَاه البشر.
٢- لماذا يبدو أنّ هناك فجوة كبيرة بين القدرات المعرفية لأسلافنا من أشبَاه البشر والقدرات المعرفية للعلماء والفنَّانين والفلاسفة الحديثين؟
لا توجد فائدة بدَنية واضحة تعود لقرد السافانا المزيّف الأصلع ليكون قادرًا على الاستخلاص من أعمق طبقات الواقع الماديّ المعرفي النموذج القياسيّ لفيزياء الجسيمات، أو نظرية عدم الاكتمال لتشيتين، أو قصائد الزنّ “الثيران العشرة”. في الواقع، من المُحتمل أن تكون هناك تكاليف بدنيَّة كبيرة لامتلاك مثل هذه القدرات. فلماذا نمتلك هكذا قدرات؟
للتعامل مع هذا الأمر، من المفيد التركيز على الإنجازات الإنسانية الأكثر عمومية، أكثر العروض البيانيَّة لقدراتنا المعرفية: العلوم والرياضيات. لقد زوّدتنا قدرتنا على استغلال العلوم والرياضيات ببدَلاتٍ معرفية وعقول ممتدة، من المطابع إلى الذكاء الاصطناعي. علاوةً على ذلك، ضُخّمت قدرات تلك العقول الممتدة بشكلٍ كبير بمرور الوقت من خلال العملية الجماعية التراكمية للثقافة والتطور التكنولوجي. في المقابل، أدَّت هذه العقول المُمتدة إلى تسريع تطور الثقافة والتكنولوجيا. لقد سمحت لنا حلقة التغذية الراجعة هذه بتوسيع قدراتنا المعرفية إلى ما هو أبعد من تلك الناتجة عن التطور الجينيّ فقط. قد تكون هذه الحلقة سبب الهوّة بين القدرات المعرفية لأسلافنا من أشبَاه البشر والقدرات المعرفية للعلماء والفنَّانين والفلاسفة الحديثين.
على الرغم من أنّ حلقة التغذية الراجعة ضخّمت قدراتنا المعرفية الأصلية (تلك الناتجة عن تطور النمط الجيني)، فليس من الواضح ما إذا كانت قد زودّتنا بأيّ قدرات معرفية جديدة تمامًا. في الواقع، قد لا تكون قادرة على ذلك مطلقًا. ربما تكون أشكال العلوم والرياضيات المستقبلية، التي تمّ إنشاؤها عبر حلقة التغذية الراجعة، مُقيّدة إلى الأبد بمجموعة القدرات المعرفية التي كانت لدينا عندما بدأنا تشغيل الحلقة لأول مرّة.
يشير هذا إلى نوع مختلف من الحلّ لـ “الفجوة” بين القدرات المعرفية لأسلافنا من أشبَاه البشر وتلك التي لدى البشر المعاصرين. ربما الفجوة ليست فجوةً على الإطلاق. ربما توصف بدقّةٍ أكبر على أنها انقسام صغير في مجالٍ واسع من المعرفة المُمكنة. في مقالٍ بعنوان: “الفعالية غير المعقولة للرياضيات في العلوم الطبيعية” (١٩٦٠)، تساءل الفيزيائي الهنغاري الأميركي يوجين وينر عن سبب “النجاح المُذهل” لنظريّاتنا الرياضية في تصوير طبيعة واقعنا المادي. قد يكون الجواب على سؤال وينر هو أنّ الرياضيات لدينا ليست فعّالة للغاية على الإطلاق. ربما يمكن لرياضياتنا أن تلتقط طيفًا صغيرًا من الحقيقة. قد يكون السبب الذي يجعلنا نعتقد أنها فعّالة للغاية هو أن نطاق رؤيتنا يقتصر على ذلك الطيف، على تلك المظاهر القليلة التي يمكننا تصوّرها من الحقيقة.
ليس السؤال المثير للاهتمام؛ لماذا يبدو أنّ عقولنا المُعزّزة تتمتع بقدراتٍ أكبر من تلك القدرات التي أبقت أسلافنا على قيد الحياة. إنّما، ما إذا كانت عقولنا المُعزّزة ستتمتع بالحدّ الأدنى من القدرات اللازمة للقبض على الواقع.
٣- بمساعدة عقولنا المُمتدة، هل يمكننا إنشاء أشكالٍ جديدةٍ تمامًا من العلوم والرياضيات قادرة على الوصول إلى جوانب من الواقع المادي يتجاوز تصوّرنا، أم أنَّنا مُقيّدون إلى الأبد على تطوير الأشكال التي لدينا مُسبقًا؟
عام ١٩٢٧، اقترح العالم الإنجليزي جون بوردون ساندرسون هالدين نسخةً أخرى من هذا السؤال في كتاب مقالاتٍ عنوَنه بـ “عوالِم مُحتملة”. كتَب فيه: “ما أشكّ فيه الآن، أن يكون الكون ليس أكثر غرابة ممَّا نفترض فقط، ولكنّه أكثر غرابةً ممَّا يمكننا أن نفترض”. في السنوات التي تلت ذلك، اُقترحت مفردات وألفاظ مماثلة من قبيل أنّ الكون قد يكون “مستغرَبًا” أو “أغرب” مما يمكننا “تخيّله” أو “تصوّره”. لكن بالانشغال بأشياء أخرى يمكن الكتابة عنها، نادرًا ما يوضح مؤلفوّ هذه النصوص المُبّكرة ما كانوا يقصدونه. غالبًا ما أشاروا إلى أنّ الكون قد يكون أكثر غرابة ممَّا نتخيّله حاليًا بسبب محدوديّة الفهم العلمي الحالي، عوضًا عن الإشارة إلى المحدوديّة المتأصِّلة لما يمكننا فعله من الأساس، حتى لو نضج استيعابنا مستقبلًا. اِعتقد هالدين، على سبيل المثال، أنه بمجرد تبنِّي “وجهات نظر مختلفة”؛ فإنّ الحقيقة ستفتح نفسها لنا: “يومًا ما سيكون الإنسان قادرًا على التعامل مع الواقع بالطريقة التي تعاملتُ بها في هذا المقال على سبيل الدعابة، سيُنظر إلى الوجود من وجهة نظر عقولٍ غير بشريَّة”.
في العقود التي تلت ذلك، ظهرت أشكال أخرى من هذا السؤال في الأدبيات الأكاديمية، معظمها متعلِّقة بدراسات “مشكلة الوعيّ الصعبة” و”مشكلة العقل والجسم” وثيقة الصلة. هذا العمل على الوعيّ والعقل نقل أصداء هالدين من خلال مطاردة وجهة نظر الأخطبوطات والفيروسات والحشرات والنباتات وحتى النُظم البيئيَّة بأكملها؛ بحثًا عن ذكاءٍ يتجاوز الإنسان.
العديد من هذه التحقيقات غير رسمية؛ ما يعكس الطبيعة الهلاميَّة التي يصعب تحديدها لـ “مشكلة الوعيّ الصعبة”. لحسن الحظ، يمكننا التعامل مع السؤال الأساسي حول ما إذا كان بإمكاننا التفكير فيما وراء حدودنا الحالية بطريقةٍ أكثر صرامة. ضع في اعتبارك الفكرة التي انتشرت مؤخرًا (مرّةً أخرى)، والتي تقول إنّ كوننا المادي قد يكون محاكاة أنتجها كمبيوتر تديره سلالةٌ فائقة التعقيد من الفضائيين. يمكن توسيع هذه الفكرة إلى ما لا نهاية: ربما تكون الكائنات الفضائية التي تدير كوننا هي نفسها محاكاة كمبيوتر تديره كائنات أكثر تعقيدًا، وتمتدّ سلسلة الكائنات الفضائية الأكثر تعقيدًا. بالنظر إلى الناحية الأخرى، قد ننتج محاكاةً للكون خاصةً بنا في المستقبل غير البعيد، محاكاة مُكتملة بكياناتٍ لديها “قدرات معرفية”. قد تتمكّن كيانات هذه المحاكاة من إنتاج كونها المُحَاكى كذلك… وهكذا دواليك. ستكون النتيجة سلسلة من الأنواع، يقوم كلٌّ منها بتشغيل محاكاة حاسوبية تنتج النوع الموجود أسفله مباشرة، ونحن في مكانٍ ما في السلسلة.
هذا السؤال حول ما إذا كنّا في محاكاةٍ أم لا، هو في الواقع تافهٌ إلى حدٍّ ما: نعم، نحن محاكاة في بعض الأكوان، ولسنا كذلك في أكوانٍ أخرى. لنفترض جدَلًا، ولنقصْر انتباهنا على الأكوان التي يحصل فيها محاكاتنا بالفعل. هذا يقودنا إلى سؤالنا التالي.
٤- هل من المُمكن لأيّ كيان موجود فقط كمحاكاة كمبيوتر أن يقوم بتشغيل محاكاة كمبيوتر دقيقة للكيان “الأعلى” المسؤول عن محاكاته الحالية؟
إذا كانت الإجابة “لا”، فإن كلّ ما نُمعن النظر إليه في كوننا هو مجرد مجموعة صغرى مما يمكن أن يعرفه أولئك المُقيمون في المرتبة الأعلى، لهذا التسلسل المعقّد لعمليات المحاكاة. وإذا كانت الإجابة “لا”، فهذا يعني أنّ هناك جوانب عميقة من الحقيقة لا يمكننا حتى تخيّلها.
بالطبع، تعتمد إجابة هذا السؤال على التعريفات الدقيقة للمصطلحات مثل: “محاكاة”، و”كمبيوتر”. تقدِّم نظرية النُظُم الرسمية وعلوم الكمبيوتر العديد من النظريات، التي تقترح أنّه مهما كانت التعريفات التي نعتمدها، فإنّ الإجابة على السؤال هي: “لا”. ومع ذلك، عوضًا عن عرض هذه النظريات التي تشير إلى محدودية قدراتنا المعرفية، أودّ الرجوع خطوةً إلى الوراء. هذه النظريات هي أمثلةٌ على ما تحتويه رياضياتنا، أمثلة على قدراتنا وأفكارنا الرياضية. يشير معظم هذا المحتوى بالضرورة إلى أنّ قدراتنا المعرفية محدودة لدرجةٍ لا يمكنها الانخراط بشكلٍ كاملٍ مع الحقيقة. لكن ماذا عن الجوانب الأخرى لرياضياتنا؟
٥- هل يشير شكل، عوضًا عن محتوى، علومنا ورياضياتنا إلى أنّ القدرات المعرفية للبشر مُقيّدة ومحدودة بشدّة؟
اِفتح أيّ كتاب رياضيات وستجد معادلات مرتبطة بجُمَلٍ تفسيرية. الرياضيات البشرية هي في الحقيقة مجموع كلّ المعادلات والجُمَل التفسيرية الموجودة في كلّ كتب الرياضيات التي كُتِبت.
لاحظ الآن أنّ كلًّا من هذه الجمل والمعادلات عبارة عن سلسلةٍ محصورة من العلامات على الصفحة، تسلسل محصور من الرموز المرئية يتكوَّن من ٥٢ حرفًا من الأبجدية اللاتينية، بالإضافة إلى رموزٍ خاصة مثل: + و = . على سبيل المثال: 1 + 1 + y = 2x. عبارة عن سلسلةٍ من ثمانية عناصر من مجموعةٍ محصورة من العلامات. ما نسمِّيه: “البراهين الرياضية”، هي سلاسل من مثل هذه العناصر المُتسلسلة المحصورة والمترابطة.
هذه الميزة للرياضيات البشرية لها آثارها على فهم الواقع بأوسع معانيه. لإعادة صياغة جاليليو، فإنّ كلّ معرفتنا الحالية عن الفيزياء؛ فهمنا الرسمي لأُسس الحقيقة المادية؛ مكتوبٌ بلغة الرياضيات. حتى العلوم الأقلّ رسمية لا تزال مبنية على أُسس اللغة البشرية، باستخدام سلاسل محصورة من الرموز، مثل الرياضيات. هذا هو شكل معرفتنا. فهمنا للواقع ليس أكثر من مجموعة كبيرة من سلاسل متواليات محصورة، كلّ واحدة منها يحتوي على عناصر من مجموعةٍ محصورة من الرموز المُمكنة.
لاحظ أنّ أيّ تسلسل للعلامات على الصفحة ليس له معنى في حدّ ذاته أكثر من التسلسل الذي قد يجده المرء في مصارين خروف الأضحية، أو في نمط الشقوق لقوقعة سلحفاةٍ ساخنة. هذه الملاحظة ليست جديدة. الكثير من الأعمال في الفلسفة مجرّد ردّ فعلٍ على هذه الملاحظة؛ ذلك أنّ علومنا ورياضياتنا ليست إلاّ مجموعة متتابعة ومحصورة من الرموز التي ليس لها معنى كنهيّ أصيل. يحاول هذا العمل صياغة الطريقة الدقيقة التي قد تشير بها مثل هذه التسلسلات المحصورة إلى شيءٍ خارجها؛ ما يُسمَّى بـ “مشكلة تأسيس الرموز”، في العلوم والفلسفة المعرفية. استجاب حقل الرياضيات لهذه الملاحظة بطريقةٍ مُماثلة، حيث وسَّع المنطق الشكلي ليشمل نظرية النموذج الحديث (دراسة العلاقات بين الجُمَل وما تصِفه من نماذج)، وما وراء الرياضيات (دراسة الرياضيات باستخدام الرياضيات).
الشيء المُذهل حقًا هو حقيقة أنّ العلوم والرياضيات الحديثة صِيغت من خلال سلسلةٍ من العلامات الحصريَّة: لا شيء غير هذه التسلسلات المحصورة من الرموز موجود في الاستدلال الرياضيّ الحديث.
٦- هل هذه السلاسل المحصورة من الرموز -الشكل الحالي لرياضياتنا ولغاتنا- سِماتٌ ضرورية للحقيقة المادية، أم أنها عوضًا عن ذلك تعكس محدوديَّة قدرتنا على تشكيل مظاهر الحقيقة؟
على الفور، يُثير هذا السؤال سؤالًا آخر:
٧- كيف يمكن أن يتغيَّر إدراكنا للحقيقة، إذا ما وُسِعّت الرياضيات البشرية لتشمل سلاسل لا نهائية من الرموز؟
البراهين اللانهائية التي تحتوي على عددٍ لانهائيّ من الأسطر؛ لا يمكن الوصول إلى نهايتها في وقتٍ محدّد؛ إذا تمّ قياسها بسرعةٍ محدودة. للوصول إلى النهاية والنتيجة في وقتٍ محدود، ستحتاج قدراتنا المعرفية إلى تنفيذ نوعٍ من “الحوسبة الفائقة” أو “الحوسبة فائقة التورنج”، وهي طرق خيالية للإشارة إلى أجهزة كمبيوتر مُتَصوّرة أقوى من أيّ كمبيوتر يمكن صناعته. (تخيّل كمبيوتر على صاروخ يقترب من سرعة الضوء كمثال على الكمبيوتر الفائق، حيث يعمل على استغلال تمدّد الوقت النسبيّ لضغط كمية كبيرة من الحوسبة وبشكلٍ تعسفيّ في فترةٍ زمنية محدودة).
ولكن حتى مع الحوسبة الفائقة، فإنّ هذا يقترح تمديد الشكل الحالي للرياضيات، التي سيتمّ تقديمها كرياضياتٍ بشرية. كيف سيكون شكل الرياضيات التي لا تستخدم سلسلة أو أبجدية محدودة من الرموز؟
أشار الفيلسوف الأميركي دانيال دينيت وآخرون، إلى أنّ شكل الرياضيات البشرية، وعلومنا بشكلٍ عام، يتطابق تمامًا مع شكل اللغة البشرية. في الواقع، بدءًا من لودفيغ فيتغنشتاين، أصبح من الشائع اِعتبار الرياضيات كحالة خاصَّة من اللغة البشرية، لها نوعها المُخصّص من القواعد مثل تلك التي تنشأ في المحادثة البشرية.
يتطابق شكل التواصل بين البشر مع المنطق الشكلي ونظرية آلة تورينج. اِعتبر بعض الفلاسفة هذا بمثابة ضربة حظّ رائعة؛ حيث تصادف وأن لدينا بدَلات معرفية (لغة بشرية) قادرة على التقاط المنطق الشكلي. يُفترَض أنّ هذا يعني أنَّنا قادرون أيضًا على استيعاب قوانين الكون الماديّ بشكلٍ كامل.
قد يتهكَّم أحدهم ويعلِّق ساخرًا: “لأيّ درجةٍ يمكن أن تكون محظوظًا؟ لدرجة أن يمتلك البشر القدرات المعرفية اللازمة لالتقاط جميع مظاهر الحقيقة المادية، وليس أكثر من ذلك!”، قد يتساءل ساخرًا ما إذا كانت النملة، القادرة على صياغة “قواعد الكون” فيما يخصّ مسارات الفيرومونات، صادفت ضربة حظٍّ هي الأخرى وأصبح لديها القدرة المعرفية للقيام بذلك على وجه التحديد، أو ما إذا كان النبات الذي يمتلك خاصية الانتحاء الضوئيّ نتيجة ضربة حظٍّ أصبح لديه القدرة المعرفية لتتبّع الشمس، وذلك يعني بالضرورة قدرته على صياغة قواعد الكون.
اِندَهش علماء لغويّون أمثال نعوم تشومسكي وآخرين، من حقيقة أنّ اللغة البشرية تسمح بالتكرار، وأنّ بإمكاننا إنتاج تسلسلات عشوائية من الرموز، من أبجديةٍ محدودة. تعجبّوا من حقيقة أنّ البشر يمكنهم إنشاء ما يبدو أنّه مجموعة كبيرة ومُذهلة من اللغات البشرية. لكنّي أتعجّب من محدوديَّة اللغة البشرية، من محدوديَّة عِلمنا ورياضياتنا. وأتعجبُ من حقيقة أنّ هذه المحدوديَّة تَعُمّ الجميع.
٨- هل من قبيل المصادفة والحظّ أنّ الواقع الرياضي والمادي يمكن صياغته بالاعتماد على قدراتنا المعرفية الحالية. أم أنه، لمجرد الحشو، لا يمكننا تصوّر أيّ جانب من جوانب الواقع الرياضي والمادي ما لم يُصَغ معتمدًا على قدراتنا المعرفية؟
فكّر في البراميسيوم، أُحادي الخليَّة، مستطيل الشكل، من النوع الذي يطفو في المحيطات أو البرَك الراكدة. قد يبدو الأمر بديهيًّا، لكن البراميسيوم -مثل كلبي- لا يمكنه تصوّر مفهوم “السؤال” المتعلِّق بالأمور التي ليس لها تأثير مباشر على سلوكه. لا يستطيع البراميسيوم فهم الإجابات المُحتملة، التي أخذناها في الاعتبار لأسئلتنا المتعلِّقة بالحقيقة؛ بل لن يفهم الأسئلة نفسها. بشكلٍ أكثر جوهرية، لا يمكن للبراميسيوم تصوّر إمكانية طرح سؤال يتعلَّق بالواقع المادي. بقدر ما قد يكون المفهوم المعرفي للأسئلة والأجوبة أداةً حاسمةً لأيّ فهم متَّصل بالواقع المادي، فإن البراميسيوم يفتقر إلى الأدوات اللازمة لفهم الواقع المادي. من المفترض أنّه لا يفهم حتى ما يعنيه “فهم الواقع والحقيقة” بالمعنى الاصطلاحي. يرجع هذا في النهاية إلى المحدودية في نوع القدرات المعرفية التي تمتلكها البراميسيا. لكن هل نحن مختلفون جدًّا؟ من شبه المؤكّد أنّ لدينا أنواعًا مُماثلة من القيود من حيث قدراتنا المعرفية. إذن، السؤال ما قبل الأخير (والذي يعيد نفسه من قبيل المفارقة) في هذا المقال هو:
٩- السؤال هنا يتجاوز البراميسيوم، هل هناك بُنيات معرفية ضروريَّة لفهم الحقيقة المادية، لكنّها لا تزال غير قابلة للتخيّل بسبب محدوديَّة أدمغتنا؟
قد يساعد في توضيح هذا السؤال التأكيد على ما هو ليس كذلك. لا يتعلَّق هذا السؤال بحدود ما يمكننا معرفته وما لا يمكننا معرفته أبدًا. يمكننا تصوّر أشياء كثيرة، حتى لو لم يكن من الممكن “معرفتها” أبدًا. ولكن من بين تلك الأشياء التي لا يمكننا معرفتها أبدًا مجموعة فرعية صغرى من الأشياء التي لا يمكننا حتّى تخيّلها. القضية هي ما يمكن أن نتصوّره من تلك المجموعة الأصغر.
على سبيل المثال، يمكننا أن نتصوّر فروعًا أخرى عديدة من عوالم ميكانيكا الكمّ، حتى لو لم نتمكَّن من معرفة ما يحدث في تلك الفروع. لست مهتمًا هنا بهذا النوع من المجهول. كما أنني لست مهتمًا بقيَم المتغيّرات غير المعروفة لنا؛ ببساطة لأنَّنا لا نستطيع ملاحظتها مباشرة، المثال على ذلك؛ ما يحدث خارج مجال هابل، أو الأحداث الحاصلة داخل أفق الثقب الأسود. لا يمكننا أبدًا معرفة هذه الأحداث لسببٍ بسيط وهو أنّ قدراتنا الهندسية المساعدة ليست على مستوى المهمّة، وليس لأيّ أسباب متأصِّلة في حدود العلوم والرياضيات التي يمكن أن تبنيها عقولنا. قد نتمكَّن من معرفتها يومًا، لكن لا يمكننا إيجاد طريق لمثل هذه المعرفة الآن.
المهم هنا هو؛ ما هي أنواع البُنى المعرفية غير المعروفة التي قد توجد، التي لا يمكننا حتى أن نكون على درايةٍ بها، ناهيك عن وصفها (أو تنفيذها).
لا يستطيع البراميسيوم تصوّر البناء المعرفي لـ “السؤال” في المقام الأول، ناهيك عن صياغته أو الإجابة عليه. أودُّ أن ألفت الانتباه ببساطةٍ إلى مسألة ما إذا كانت هناك بُنيات معرفية لا يمكننا تصوّرها، ولكنها ممّا يُعوّل عليه في فهم الحقيقة المادية. أؤكد هنا على احتمالية وجود أشياء يمكن معرفتها، ولكن ليس لنا؛ لأنَّنا لسنا قادرين على تصوّر هذا النوع من المعرفة في المقام الأوّل.
هذا يعيدنا إلى قضية تمَّت مناقشتها بإيجازٍ أعلاه، كيف يمكن لمجموعة أشياء لا يمكن تخيّلها أن تتطوّر في المستقبل. اِفترض أن ما يمكن معرفته (ولكن ليس تصوّره) ليس مجرّد فراغ. لنفترض أنه يمكننا أن نعرف شيئًا عن ذلك الذي لا يمكننا تخيّله حقًا.
١٠- هل هناك أيّ طريقة يمكننا من خلالها تخيّل اختبار ما إذا كانت علومنا ورياضياتنا المستقبلية يمكنها التقاط الحقيقة المادية بالكامل؟
من منظورٍ معيّن، قد يبدو هذا السؤال نسخةً علميةً لنظرية المؤامرة. قد يجادل المرء بأنه لا يختلف كثيرًا عن الأسئلة الكبرى الأخرى غير القابلة للحلّ. كما أنَّنا لا نستطيع إثبات عدم وجود الأشباح نظريًا أو تجريبيًا. ولا أنّ مردوخ، الإله الراعي لبابل القديمة، لا يتحكّم فعلاً في العلاقات الإنسانية. مع ذلك، هناك ثلاثة أسباب على الأقلّ للشكّ في أنه يمكننا بالفعل العثور على إجابة (بعض جوانب) السؤال:
وّلاً، يمكننا أن نحقِّق بعض النجاحات إذا قمنا ببناء كمبيوترٍ فائق واستغلاله للنظر في مسألة ما هي المعرفة التي تتجاوزنا. بشكلٍ أكثر تخمينًا، مع نموّ قدراتنا المعرفية، قد نكون قادرين على إثبات وجود ما لا يمكننا تخيّله من خلال الملاحظة، أو المحاكاة، أو النظرية، أو بعض العمليات الأخرى. بعبارةٍ أخرى، قد تسمح لنا حلقة التغذية الراجعة بين عقولنا الممتدة بالتحرّر من الحادث التطوّري الذي شكَّل أدمغة أسلافنا من أشبَاه البشر.
ثانيًا، لنفترض أنَّنا واجهنا ذكاءً من خارج كوكب الأرض وأمكننا الاتصال معه، على سبيل المثال، شبكة مجريَّة واسعة من التفاعل بين الأنواع، تحتوي على مستودعٍ كونيّ مستفيض من الأسئلة والأجوبة. لتحديد ما إذا كانت هناك جوانب من الواقع المادي يمكن معرفتها، ولكن لا يستطيع البشر حتى تصوّرها قد لا يتطلب الأمر أكثر من طرح هذا السؤال على المنتدى الكونيّ، ثمّ تعلُّم الإجابات التي يتمّ مشاركتها.
ضع في اعتبارك ذريّتنا التطوُّرية بالمعنى الواسع: ليست ذريّتنا المتغيّرة المستقبلية لأنواعنا التي تطوّرت منَّا عبر التطور الدارونيّ الجديد المعهود، ولكن كلّ الأعضاء المستقبليين لأيّ نوعٍ نصمّمه بوعيّ، عضوي أو غير عضوي (أو كليهما). يبدو من المُحتمل جدًا أن يكون لدى عقول هؤلاء الخلفاء مجموعة أكبر من الأشياء التي يمكنهم تخيّلها مقارنةً بِنا.
ومن المُحتمل أيضًا أن يكون هؤلاء المتفوّقون معرفيًّا “أطفالنا” هنا خلال القرن المقبل. من المفترض أنَّنا سننقرض بعد وقت قصير من وصولهم (مثل كل الآباء الطيبين الذين يفسحون الطريق لأطفالهم). لذا، كأحد آخر أعمالنا ونحن في طريقنا للخروج من الباب، ونحن نحدِّق في خلفائنا مشدوهين، يمكننا ببساطةٍ أن نطرح أسئلتنا عليهم.

________________________________________________
الهوامش
* اُقتبست أجزاء من هذا المقال من مقالة: “ما الذي يمكننا معرفته عن ذلك الذي لا يمكننا حتى تخيّله؟”، لـ ديفيد ولبرت ٢٠٢٢
1- ديفيد إتش ولبِرت David H Wolpert، أستاذ في معهد سانت في، وأستاذ زائر في مركز العلوم المُعقدة في فيينا، وأستاذ مساعد في جامعة ولاية أريزونا، وباحث مشارك في المركز الدوليّ للفيزياء النظرية في تريستا، وهو أيضًا أحد المنتسبين لمعهد ألبرت أينشتاين للدراسات المُتقدِّمة، وزميل معهد مهندسيّ الكهرباء والإلكترونيات. أحدث كتاب له بعنوان: The Energetics of Computing in Life and Machines (2019).
2- Cameron Allan McKean
3- Chaitin’s incompleteness theorem
4- Ten Verses on Oxherding
5- ‘The Unreasonable Effectiveness of Mathematics in the Natural Sciences’ Eugene Wigner 1960
6- John Burdon Sanderson Haldane
7- Possible Worlds
8- hard problem of consciousness
9- mind-body problem
10- symbol-grounding problem
11- modern model theory
12- metamathematics
13- hypercomputation
14- super-Turing computing
15- Daniel Dennett
16- Ludwig Wittgenstein
17- Turing-machine theory
18- Noam Chomsky
19- “What Can We Know About That Which We Cannot Even Imagine? “(2022) by David Wolpert
المصدر
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومجلة إيون).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.