14 مارس 2012

حينما أنفطرُ نصفيّاً

 (مدن العزلة) شريف بقنه الشهراني - المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2007

صحراءٌ كبطن مَلْسَاء شحيحة و تكونُ السُرّة جذعُ شجرةٍ تالفة تيبّسَ في عروقِها الهواء، جفاف جحيمٍ يشوي الأعناق. من الممكن قدَراً أن يَشْغلَ تلك البُقعة فتاةٌ في الثانية و العشرين بشعرها الجَديل، تقفُ حافيةً على ضفةِ جَدْول يشُقّ مرجاً أخضراً لا ينتهي.

الاعتيادُ و التّكرارُ التلْقائي كل ما يناله المعدمون داخل حِصان طُروادة، حصانٌ مُملٌّ عنيد، تُحرّكهُ خيوط شفّافة من قُدرةٍ لا أستطيعُ أن أصفها إلاّ بأنّها فوقية، أرقى و أكثرُ عدلاً و رحمةً منّي أنا المضطرب على أقلّ تخمين. الفضولُ التّقشّفي لدابّةٍ الإنس في دمائي يدفعُني إلى الهلْوسة و العبث لا إراديّا بتكهّنات ،على أن تكون أحكاماً تفسّرُ سرّ بقائي و استمراري اليوميّ، هذا بالتّأكيدِ يعني أنني بلغتُ الثالثةَ و العشرين و أنا في هُدنةِ تأجيل و رضا مع المسلّمات التي وجدتها غسقَ و لادتي لديهم، و إلاّ فإنّني سأشعل فتنة أنّني حقيقيّ وأهرولُ عارياً مثل مفصوم مُحبط، هل هذا سبب الجنون البشريّ! أريدُ فقط أن أصلَ إلى اطمئنانٍ راسخ يُسعفُني مستقبلاً لقبولِ فكرةِ دفن أمّي أو حبيبتي في حفرةِ طينٍ عشوائيّةٍ يلتصقُ بها قبرُ خفّاش أو ضفْدع أنانيّ سمين! و هكَذا فأنا أفزعُ و أجزعُ من حتمية الغموض الأزلي في هذه الأرض! أتساءل ما إذا كانت زرقة السّماء التي أرى، تقبل أو تدركُ انتحال جسد حِصان خشبيّ يعدو وحيداً في مضماره الفلكي فلا يلحق بناصيته أحد!.

إنّ الإرادةَ الفوْقية القادرة على إبداع فتاةِ الثانية والعشرين أكثر رفعة من فكرةِ إقطاعٍ تعسفي صرْف أو عقاب لا مُبرّر له. إنّني أتعجّبُ فحسب، غرابةَ و لُغزية أنّني حقيقيّ ولو مؤقّتاً! 

صَمْتٌ مُطبق! ثمّة أسباب شفافةِ تبرقُ من أجلنا، يجبُ أن نوقّرها أو على الأقل أن لا نُبدي رأيَنا فيها! بكسَل حَمِيد يتعافى و مقدمة جُمجمةٍ تبتهِل. إنّ الحِصان الذي لن أراه ما دُمت في هذا المستوى ألقصري، قد أراهُ عندما أنفطرُ نصفيّاً! 
من يدفعُ أجري حينها!.

---------------------------------------------
 (مدن العزلة) شريف بقنه الشهراني - المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2007