10 ديسمبر 2021

شريف بقنة لـ«عكاظ»: معظم دواوين السعوديين المترجمة مدفوعة الثمن!

جريدة عكاظ - الخميس 04 نوفمبر 2021 23:20 | حاوره: علي فايعalma3e@

يرى الشاعر والمترجم والطبيب شريف بقنة أن هناك سمات شخصية نفسية مشتركة بين الأدب والطب، لكنه لا يؤكد هذا الارتباط ما لم تكن هناك دراسات محكّمة تؤكده، أما الترجمة الأدبية فيفضل ترجمة النصّ التجريبي أكثر من النصّ الكلاسيكي والحديث على القديم، ولا يخفي بقنة تفاؤله بمبادرة «ترجم» التي تعمل عليها هيئة الأدب والنشر والترجمة، كما لا يخفي امتعاضه من أن معظم المترجمين غير سعوديين، إضافة إلى أن نوعية الكتب مختصّة بحقلٍ واحد من العلوم الإنسانية.. المزيد من الآراء حول بعض القضايا والمشكلات في هذا الحوار:

• لماذا يتعلق كثير من الأطباء بالأدب؟

•• ربّما أن هناك سمات شخصية نفسية مشتركة في المهتمين بالأدب والطب مثل سمة الانفتاح - الانبساط openness وسمة الضمير أو الشعور بالذات consciousness، ولكن ما لم تكن هناك دراسات محكّمة تؤكّد الارتباط بين الطب والأدب، لا يمكننا تعميم الارتباط؛ بمعنى لا يمكننا القول بأن ارتباط الطبيب بالأدب أكثر من ارتباط أي شخصٍ آخر بالأدب. في تصوّري أن الطبيب عند ارتباطه بكتابة الأدب يحصل على اهتمام وشهرة أكبر من غيره، وهذا ما يوحي لنا بالعلاقة بين الطب والأدب.

• أنت مهتم بالترجمة ولك كتب فيها، كيف تختار كتابك الذي تنوي ترجمته؟

•• ببساطةٍ، أختار الكتاب الذي أحب. قراءاتي شعرية في معظمها، بالإضافة إلى قراءات متنوعة في الفلسفة وعلم النفس بالذات. لذلك فإن معظم ترجماتي شعرية أو مرتبطة بميولي القرائية.

•هل لديك معايير معينة في الكتاب الذي تقوم بترجمته؟

•• المعيار الأهم هو التقاطع الوجداني والارتباط النفسي مع الكتاب، والذي ينعكس بالضرورة من نوعية وأسلوب الكتاب ومحتواه؛ أفضل الأدبي أكثر من المقالي، الشعري أكثر من النثري - المنثور، المقتضب أكثر من الحشو، التجريبي أكثر من الكلاسيكي والحديث أكثر من القديم.

• كيف تنظر للفن؟

•• الفن هو الإبداع الإنساني في أعلى تجلياته. هو كل ما يشرع الأبواب للفوقي والإلهي. إنّه الشيء المرعب لشدّة جماله، كلّ ما نقف أمامه مشدوهين مأسورين ومرتاحين، هدية الوجود وذروة المعنى وحلوى الحياة. التشكيل، النحت، السينما، المسرح، الرقص، الموسيقى، الأدب.. إلخ، فنون تضخ الدماء في عروق المدن. الفن هو ذلك المجهول السحري الذي يتملّكنا ولا نعرف لماذا! كما يقول جوردان باترسون.

• ماذا عن مفهومك للغة بشكل عام؟

•• اللغة بيت الوجود كما يقول هيدغر، إنها القدرة السحرية والإرث الخالد الذي يمتلكه البشر للتعبير، بل لخلق معانٍ ومفاهيم في غاية التعقيد عن العالم والموجودات. إنها الابتكار الإنساني الأكثر تطوّراً والذي يتماهى في صورة الحاسة الحيّة التي تنمو وتكبر وتتطوّر وتخلق وتؤسس وتنظّم، اعتبرها فتجنشتاين ظاهرة حية، وقال عنها داروين في رسائله أنها ميلٌ غريزي. الأسئلة المطروحة والمعضلات الفكرية عن اللغة عند الفلاسفة وعلماء الألسن أكثر من الأجوبة، فهي تتعدى كونها مجرّد وسيلة وأداة اتصال إلى كونها مظهراً إحيائياً يخلق وينحت المعاني ويرتبط بماهية التفكير. اللغة كنز الوجود.

• هل الأدب معني بحلول مشكلاتنا أم عرضها؟

•• الأدب ليس معنياً بمشكلاتنا بالشكل المباشر، وإنما معني بالأسئلة الكبيرة والمفارقات الكُلّية التي تواجهنا في الوجود ونقف أمامها مرتابين ومشكّكين، خائفين ووحيدين، وحتى منتشين وسعيدين. الأدب معني بتشريح مثل تلك الأسئلة والمفارقات، بسردها وتحليلها وتمثيلها وخلخلتها والسخرية منها، وأحياناً معنيٌ بإحداثها كذلك؛ الأدب هو العالم مكتملٌ وناقصٌ على الطريقة الإنسانية. الأدب كذلك خلاصٌ وملجأ ومنتهى، يعوّضنا عن الخيبات التي تصفعنا بها الحياة الحقيقية كما يقول ماريو فارغاس يوسا.

• تكتب قصيدة النثر وتترجم فيها، كيف ترى قصيدة النثر في السعودية وتأثير مدارس النثر في العالم على هذه التجربة؟

•• سأبدأ من الشق الأخير من السؤال والذي يستدعي بدايات قصيدة النثر العربية في الستينات والسبعينات على يد أدونيس وأنسي الحاج ويوسف الخال وآخرين، في تلك الفترة تكونت قصيدة النثر العربية كامتدادٍ للقصيدة الحرّة لنازك الملائكة والسياب، وكامتداد للترجمات الشعرية والمسرحية مثل ترجمات علي أحمد باكثير، وبتأثير من قصيدة النثر الفرنسية (بودلير، بروتون، سان جون بيرس.. إلخ) والمدارس الفنية السريالية والدادائية. تأثرت بعد ذلك معظم الأقطار العربية واستجابت للضرورة الدرامية للتغيير في هندسة الشكل الشعري بما يتناسب واللحظة الزمنية. السعودية لم تكن استثناءً، خرجت لنا قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر «قصيدة الحداثة» السعودية في الثمانينات وكان الجيل الأكثر شهرة وريادة (وانتقاداً) لأسباب مختلفة، من الأسماء في تلك الفترة الثبيتي وعبدالله الصيخان ومحمد زايد الألمعي، ومحمد جبر، وخديجة العمري، وغيرهم. تلا ذلك جيل التسعينات مثل أحمد الملا وعبدالله ثابت ومحمد خضر وآخرين، ثم جيل ما بعد الألفية والجيل الحالي ومنهم صالح زمانان وزياد السالم وزكي الصدير ومحمد التركي وهدى الدغفق وسهام العريشي ومحمد السعدي وماجد الثبيتي وعلي عكور وآخرين. هكذا فإن مشروع القصيدة السعودية الجديدة والحديثة (كما أحب أن أسمّيها) لا يزال متشظّياً وعميقاً ومُنتجاً وخلاقّاً، فلا تكاد تخلو مجلة أدبية أو ملتقى شعري عربي من أسماء سعودية تؤكّد ثقلها وبصمتها، كما أن المواكبة النقدية ووسائل التواصل الحديثة جعلت الأشكال الشعرية تنصهر وتمتزج ورسّخت القبول والمشروعية لدى المتلقٍّين.

• لماذا لا تريد العودة لديوانك الأول «مقتطعات الرنين»؟

•• أعتبر ديواني الأول تجربةً أولى غير ناضجة من الناحية الفنيّة واللغوية ومن ناحية المضمون كذلك. من الناحية الفنيّة كان لقصيدة النثر الفرنسية تأثيرها الواضح، وأقصد التأثير غير العفوي والمباشر والمقصود (وربما المصطنع أيضاً). لغويّاً لم يتم تحرير الكتاب كما يجب، وتضمّن العديد من الأخطاء اللغوية، وتجريباً مبالغاً فيه للكتابة الآلية. أما من ناحية المضمون فقد كان إنجيلاً للاكتئاب وجحيماً مظلماً. كان كتاباً وحشياً بكل المقاييس.

• كيف ترى الترجمة الأدبية في السعودية؟

•• المشهد والحراك الترجمي نشِط ومنتج وثري، وذلك يتوازى بالضرورة مع المشهد الأدبي السعودي الحالي إجمالاً. ربّما في فترات ماضية كانت الترجمة الأدبية مجرّد اجتهادات شخصية، لكن الآن هناك جهود مؤسسية تشجع على الترجمة من وإلى العربية في تخصصات مختلقة ومنها الأدبية، من تلك الجهود مشروع الترجمة الذي تقوم به دار أدب بالتعاون مع مركز إثراء ومبادرة «ترجم» من هيئة الأدب والنشر والترجمة.

• ما أهم الصعوبات التي تواجه المترجم السعودي؟

•• لعل أهم الصعوبات التي تواجه المترجم السعودي متعلقة تحديداً بالنشر، ففي حال رغبتي في ترجمة كتاب معين، ليس كافياً معرفتي أنه لم يترجم للعربية وأنني أرغب في ترجمته، ما زلت بحاجة لمن يحصل على حقوق ترجمته ومن ينشره لي.

• كيف يمكن لهيئة الأدب والنشر والترجمة تذليل هذه الصعوبات؟

••هيئة الأدب والنشر والترجمة أطلقت مبادرة «ترجم» ودعمت في هذه المرحلة دور النشر وأتاحت الدعم لترجمة 250 كتاباً، بحسب ما صدَر من هذه المبادرة من إحدى دور النشر في معرض الكتاب (حتى وقت الإجابة عن هذا الحوار 30 كتاباً) إلاّ أنّ معظم المترجمين غير سعوديين، كما أن نوعية الكتب مختصّة بحقلٍ واحد من العلوم الإنسانية، أعلم أنني أتحدّث عن 10% من المبادرة ككل ولا يمكن أن يعكس ذلك الصورة المكتملة، لكننا ننتظر أن تطلق الهيئة الدعم المباشر للمترجم السعودي، بحيث تنطلق مبادرة «ترجم» من المترجم الفرد فلا يكون بهذه الطريقة تحت رحمة دور النشر ووصايتهم، وتتاح له الفرصة كذلك في اختيار الكتاب ومن ثم الرفع للهيئة أو لدار النشر المحلية لتقييم الكتاب والحصول بعد ذلك على حقوقه في حالة إجازته. لعل هذا هو الجزء الأساسي الذي نحتاج فيه الدعم كأفراد، وهو قناة الاتصال التي تربطنا بدور النشر الأجنبية وتكون متخصصة في الحصول على حقوق الترجمة وكتابة العقود ومرتبطة كذلك بدور النشر المحلية. هذا العمل اللوجستي المتعلق بالحصول على الحقوق يفوق قدرة المترجم الهاوي (وكذلك المحترف) واختصاصه.

• على من تراهن من المترجمين السعوديين؟

•• أحمد العلي، سلمان الجربوع، غسان الخنيزي، عبدالوهاب أبوزيد وعبدالرحمن السيد.

•إلامَ تميل في ترجمة الشعر، الترجمة الحرفية أم ترجمة المعنى؟ ولماذا؟

•• لو كان بالإمكان ترجمة الشعر بطريقة حرفِية تلتزم الأمانة في النقل، وبأسلوب فني في ذات الوقت يحافظ على روح القصيدة وحمولات المعنى في اللغة الهدف ويجعل من القصيدة عملاً أدبياً يبدو لأول وهلة وكأنّه لم يُترجَم، مثل تلك ترجمة بالتأكيد هي الترجمة المُثلى، ولكن يصعب تحقيق ذلك في معظم الأحيان. تحيّز أدونيس وعزرا باوند مثلاً للفن في الترجمة، أما كبيرنا بورخيس فقد تحيّز للحَرْفية في محاضراته عن الشعر والترجمة، أجدني أقفُ في المنتصف، ولكن إذا كان عليّ الاختيار وتعذّرت الموافقة بين الأسلوبين، ربّما أميل للتكنيك الفني. ما يهم أن أعيد ضخّ روح الشاعر في القصيدة وأجعلها تخصّه وتميّزه، أجعلها قصيدةً ناجزةً ومكتملةً وقطعةً فنيّة ليست بحاجةٍ إلى أصلها.

• كتاب تُرْجِم من العربية إلى الإنجليزية تأسفت عليه ووددت أنك لم تقرأه؟

•• آخر كتاب أشعرني بهذه الحالة، كان مشروعاً مُنتظراً في غاية الأهمية صدر عن مركز ثقافي مرموق، غير أنه كان إخفاقاً ذريعاً في رأيي ورأي آخرين على الأقل. لا أظن الإشارة إليه هنا يمكن أن تخدم أحداً.

• ماذا عن الدواوين الشعرية السعودية التي تترجم للإنجليزية، كيف تراها؟ وكيف تتم هذه الترجمات؟

•• مرة محدودة يا علي، وغالبيتها تكون باجتهاد الشاعر نفسه وبمقابل مالي.

• لو فكرت في الترجمة من العربية للإنجليزية، ما العمل الذي تتمنى ترجمته؟

•• من وجهة نظري، لكي تترجم بشكل مثالي من العربية إلى الإنجليزية في الأدب، لابدّ أن يكون لسانك الأصلي أجنبياً أو تكون مهاجراً، وتعيش فترة طويلة من عمرك هناك، بعض التصاريف والتراكيب تصعب صياغتها باللغة الأجنبية ما لم تكن من أهل تلك البلاد، الترجمة ممكنة على أي حال، لكنني أشك كثيراً في جودتها. أما العمل الذي أرغب في ترجمته فلا يوجد شيء يخطر في بالي، ولكن ربما أترجم قصائدي، كما أعتقد أن الكثير من المجموعات الشعرية للأسماء التي سبق وذكرتها في سؤال قصيدة النثر والقصيدة الحديثة تستحق الترجمة بالتأكيد، ولو كنت أترجم إلى الإنجليزية لترجمت لزياد السالم وأحمد الملا وعبدالله ثابت وصالح زمانان. أما السؤال الأهم: من سيقرأ لنا، لأننا نحتاج إلى مكينة تسويق هائلة!

https://www.okaz.com.sa/culture/culture/2087250