24 يوليو 2012

الوجه السريالي وبربرية الرنين - شريف بقنه (جريدة الرياض)

الوجه السريالي وبربرية الرنين (1- 2):
(مقتطعات الرنين - 2004 شريف بقنة الشهراني)
جريدة الرياض
جريدة الرياض / الخميس 15 جمادى الآخرة 1426هـ - 21 يوليو 2005م - العدد 13541 | أحمد الواصل
«عندما تستولد ما في باطنك، فإن ما عندك سوف يخلصك، فإذا لم يكن عندك ذلك في باطنك، فما تعدمهف ي باطنك سوف يقتلك»
(توما: 70)


.. إن أي محاولة لكتابة الشعر، توقعنا كما توقع اللغة بين أن تسكن مفردات ذلك النتاج - الكتابة، حوض الذاكرة أو تقبر في المعجم (ربما تؤرشف في مجلدات الغابرين).


.. «الطوفان المفرداتي» في مجموعة: «مقتطعات الرنين» لشريف بقنة الشهراني»، تقع في شرك ذلك لأول وهلة، ربما لأكثر من وهلة اطلاع وتأمل، إلاّ في حال تلاؤم القراءة - النقد لتصنيف ذلك «الطوفان المفرداتي» في الأنساق المتناقضة سواء في بنى الجمل نحوياً (لتركيب، الصرف والاعراب) لو حسبناه ضمن نوعية كلام أو بنى السطور النصية المتواطئة قصدياً وفنياً إذا ما أركزنا مناولتنا في غواية الشعر، غير ثباته وتطلبه كسر أي محاولة تعميد (عامود الشعر: النظام المتبع في كل مرحلة سواء التناظري أو التفعيلة أو النثري..)، فربما ننزلق أو نهتدي إلى مفاهيم فنية تطال السريالية Surrealisme (مكونة بالفرنسية من ظرف المكان: Sur، وكلمة: الواقع Realisme، بمعنى فوق واقع الأشياء العيانية) في شق: الكتابة الاوتوماتيكية - أي: الآلية - ، وليس لنا فيما استنتجنا تخلصاً من شيئية النصوص دون تصنيف الا ننزع إلى مداراة ذلك المقترح التصنيفي بتعريف يعطي الفعل الكتابي حق التفاعل والتواصل معه من خلال جدلية الشكل والمضمون التي يعاد فتحها ابان أي تحولات في الأجناس الأدبية وطرائق وجودها المقترحة في تعددها وتشظيها.


.. فإذا كانت السريالية في أهم أهدافها: «تقويض الجماليات السائدة وتقديم انقلاب في فهم الواقع» (إبراهيم فتحي، معجم المصطلحات الأدبية، ص: 141)، وليس لنا ان نستمر في تنظيرات مختلقة تبتعد عن جو النصوص المفترض تفعيلها في هذه المقالة عبر أول اجتزاء من نص: «قرع صفيح» (ص: 117):
«غلف أمله بجليد اختلسه من مذبحة الحداد..
وضعه تذكار الطفولة على رف الأسرة..
بل فكر في احراقه ورميه في نفايات الحيل والأكاذيب البيضاء
سل الصبر المصفح بصدف الشمع الأحمر من الغمد الرصاص
فيسمع صوت الانخراش والاحتكاك الزلزالي
تأوهلات ولادة قيصرية بطيئة
تدرع
فولاذ لا يصهر..»
.. إذا رأينا ان آلة السرد هي القص والتفاصيل، فالشعر آلته المجاز بثالوثه الأدعى لوصف الكتابة شعراً: الاستعارة، الكناية، التشبيه.
.. إن هذا المجتزأ يدخلنا إلى أجواء المناخ الكتابي الذي تحفل به المجموعة، على تعدد درجات، سواء من تكوين تحويلات معجمية: الذهني إلى مادي (الأمل)، وإمكانات استعارية: تغليف الأمل، ثم جملة مركبة تركيباً معقداً تجمل التحويل المعجمي في طبقة على طبقة أخرى استعارية تعتمد قصداً أسلوب الصدمة في اقلاق المجاز من أصله: «اختلاس جليد من مذبحة الحداد».
.. من هنا سوف نلجأ إلى استدناء تعريف السريالية من صاحبها الشاعر الفرنسي: أندريه بريتون عندما يقول عنها: «السريالية آلية نفسية محضة، يلتمس بوساطتها التعبير، شفوياً أو كتابياً، أو بأي طريقة أخرى عن وظيفة الفكر الحقيقة. املاء الفكر، في غياب كل رقابة يمارسها العقل، وخارج كل اهتمام جمالي أو أخلاقي». (أدونيس، الصوفية والسريالية، ص: 257).
.. إن أخذنا لمقطع آخر من نص: «بورتريه الجحيم الموعود» يتميز بحس ابتهالي متفجع (أو خطابية انشاد)، سوف يعيننا على تأكيد الصلة إزاء محاولة لاكتناه هذا العالم الشعري الخاص بالشاعر: شريف الشهراني:
«أيها الندم المأجور المومس
أنا أبغضك لدرجة أنني كلما أتذكرك أبكي وأخاف ان أسمع صوت حبيبتي..
تجويف قفصي الصدري أصح أجداثاً خصيبة لنهايات
الخلائق الآثمين الماراثونية،
سقوط المناجل المسننة المربوطة بعصي مدببة على الرقاب
من الخلف وقد تصل النذالة عظمة الظهر فيكون الشلل
مصحوباً بالرجاء والتحايل
الحب أصبح أسخف فكرة للبقاء
أصبح للأطفال والمشعوذين كثيفي الشعر» (ص: 144)
.. سوف نرى تلك التحويلات الوظيفية للمفردات - ان لم تكن الانتقائية بحد ذاتها قاصدة - تحويلاً معجمية من الذهني إلى المادي لأجل تفعيلها استعارياً سواء عبر الوصف في حالة: الندم، أو الأمل في النص السابق، لكن ما يلفتني هو تدرج الخطاب الشعري من فرط خطابيته الانشادية في حسها التفجعي إلى حس حكمي: الحب أصبح أسخف فكرة للبقاء.
.. لو أكملنا اتخاذ المقطع الأخير من ذلك النص، لأنه مليء بما يدعونا لتأمله أو وضعه مدخلاً لما بعد محور: آلية الكتابة سواء في عراكها القصدي بالتحويلات المعجمية لاغناء المجاز - لو تعسراً - أو تدرج النص في نثريته من انشادية الخطابية إلى حكميته كما سبق.
.. ماذا يقول المقطع الأخير؟
«أن تعلن اللعنة..
تلك الجرأة، بأن تقذفها تتلولب عليهم جمعاً تتمرد..
صليت آخر فرض..
الآن أريد رائحة العرق!
الآن أدركت مكانة القوة.. لبست «نيتشه»
عنجهة التفاخر بالتسرب الأنيق..
مستعد للانتهاء..
قطرة.. قطرة..
مستعد للجحيم، يبتلع
يلوح بكفه للغربان والضباع وهو يحترق تدريجاً..
ولو الجحيم..
ثمة أمان» (ص 146)
.. إن هذا المقطع في صوته الملجوم يدعي التشاؤم فيما ه يتحرق إلى الحياة ولذائذها، عبر مفردة الجحيم التي كانت عنواناً رئيسياً للنص كله تظهر هنا في حال استشراف تناغمي لانهاء حالة من التدرج المقطعي في بنية النص كاملة التي قسمت بين مقطعين: 2,1 فيما احتوى الأول مقاطع علقت بأحرف: أ، ب، ج، د، ه، و، ز.
.. مفردة: «الجحيم»، التي قدرت مكاناً أو ملتجئاً من اللعنة المعلنة وجرأة التمرد، تقمص نيتشه (الفيلسوف الألماني) ومشروع إرادة القوة، عبر تفاخر يتأنق ينتهي إلى تفضيل الجحيم: ثمة أمان، على البقاء بين: الغربان (نذير الشؤم - أي: نحس الفأل)، والضباع (هشاشة الأعزل - أي: خائر القوى).
.. إن مفردة الجحيم لو استدعت غير النقيض لها وهي: الجنة، بل المرحلة السابقة، للمكانين، مكاني الأبدية، وهي الحياة بمعضليتها: الخير والشر.
.. إن ورود مفردة: الأم، كرمزية الرحم أو استبقاء حال الطفولة، في نصوص عدة من المجموعة، منها: «غواية الملساء» (ص: 33)، و«السيرة الموثقة لربطة عنق» (ص: 71) كذلك مباشرة وصفها في أحد مقاطع نص الذي ذكرناه أولاً، بالتالي:
«الانفلات.. الرجوع إلى أمي اللادرية في العدم الفضي
المستطيل، السيحان، الصعود أو النزول أو شيء جديد
التلاشي اشترط الا يعرفون
أو قارورة الدمع اسكبها على عيني
فلقد استهلكت الغدة العضوية حتى مصمصتها» (ص: 35).
------------------------

الوجه السريالي وبربرية الرنين - شريف بقنه