الثلاثاء، 17 يناير 2023

حلُمٌ بربري - شريف بقنه

Self by G.Dawnay
"ها أنذا واقفاً بين يديك، لا أستطيع أن أفعل غير ذلك"
‏من صلاة للاهوتي الألماني مارتن لوثر (١٤٣٨-١٥٤٦)

تعطّل الوقت ويبُس الكلام،
زمنٌ محبوس في قارورة والفم
فوّهة مذعورة. جفتني الطمأنينةٌ
منذ أن كُسرت جرّتي وانسكبت
أقداري. ماذا عساني أفعل؟
أرسل بأجوبةٍ عن سؤال مستحيل
أروض اللانهائية و اتخبأ في زاوية الدائرة
أبحث فيّ عنّي. أجرّب خدعةَ الوعي تارةً
وأعبر وهم كينونتي، انقطع عن اللحظة
أتوحّد في أوْج وعيي، لا أتجنبه.
تَخور فرائصي بأوجٍ باهظ، مربكٍ وثقيل.

أشعرُ أنني لا أصلحُ لشيء، كيسٌ هلامي
بقدمين أو بهلول بنخاعٍ شوكي.
تمضغني الدقائق علكةً عابرة، أباري
الأسئلة سجالًا لا ينتهي وينقصني
قبَسُ الرشاد وسلوى المعنى.

كل ما علي أن أزْجي الوقت أو ربما
يُزْجْيني، أترك للطبيعة أن تأخذ مجراها.
آكل، أنام وأقضي حاجتي، منومٌ
مغناطيسيًّا في هذا الحلم البربري.

مِنَ السّذاجةِ أن نفعلَ أي شيْءٍ بالكلمات،
والنجومُ ليسَت سِوى بصَقاتٍ منثورة
في السّماء؛ يقول لي ماياكوفيسكي.
أتوقّف عن التفكير وأترك للموسيقى
المهمة، أنصت لصوتٍ بعيد:
"سافر.. إياك أن تصل، الفائز
من يقفز أعلى في المجهول"


الجمعة، 6 يناير 2023

غداءٌ عائلي - لي يونج لي

يُعدّون في الباخرة سلمون مرقّط
متبّل ببلورات الزنجبيل، والقليل
من البصلٍ الأخضرٍ وزيت السمسم.
سنتناوله غداءً مع الأرز ،كلنا
أخوتي وأخواتي، وأمّي التي
ستتذوق أحلى رأس سلمون،
تمسكه بين أصابعها بحذاقة،
بالطريقة التي أمسكه أبي
منذ أسابيع. ثم استلقى
نائمًا مثل طريقٍ مغطىً بالثلوج
يتعرّج بين أشجار صنوبرٍ شاخت،
دون أي مسافر، وحيدًا لا ينتظر أحدًا.
________________
ترجمة شريف بقنه
* لي يونغ لي Li-Young Lee شاعر أمريكي معاصر. ولد في جاكرتا، لأبوين صينيين. حصل على عدد من الجوائز الأدبية منها جائزة الكتاب الأمريكي وجائزة وليم كارلوس ويليامز.(١٩٥٧- )
* العنوان الأصلي للقصيدة Eating Together بمعنى نأكل سويّةً.
"Eating Together” from Rose by Li-Young Lee, 1986 BOA Editions Ltd

بيانو - إدغار كونز

جمعتُ ما انكسَر منه
بقدر ما استطعت؛ قالت

لكنّه توقف عن العمل،
توقّف عن المُضي قدُمًا.

كان كما ورقة المنديل
تتمزق على صفحة الماء.

كما الدخان يضيع في
قبضتي، الأمر لا يتعلّق بك

يا حبيبي. رحلت عندما
كان عليك الرحيل.

قابلتُ امرأةً ذات مرةٍ
تعمل عازفةً للبيانو.

قالت أنه عملٌ صعب.
الأدوات، الخطوات والتأثير.

الأذنُ المطلوبة. إلا أنني أحبه،
أردفت، إلا أنه عملٌ وحشي.

بمجرد ما ابتعد عنه ولو للحظات
يخرج كل شيءٍ عن النوتة.

____________
 ترجمة شريف بقنه 
* إدغار كونز Edgar Kunz شاعر أمريكي معاصر. أصدر مجموعة شعرية العام ٢٠١٩، نشر في العديد من المجلات المرموقة أمثال ذا نيويوركر، نيو انجلند ريفيو وناريتيف. حصل على زمالات وجوائز من الصندوق الوطني للفنون، ومجلس ولاية ماريلاند للفنون وجامعة ستانفورد وغيرها.
"Piano” Edgar Kunz from The New Yorker, October 31, 2022

شريف بقنة: الجوائز الثقافية.. ذراع مهم لتحقيق رؤية المملكة

شريف بقنه
14 سبتمبر 2022 ، جريدة المدينة -ثقافة:
أكد الدكتور شريف بُقنه، الفائز بجائزة "الترجمة" في الدورة الثانية لمبادرة "الجوائز الثقافية الوطنية"، أن الجوائز الوطنية الثقافية تكشف عن المعنى الواسع والتعددي للثقافة، وتؤكد أن الثقافة ذراع مهم وعمق أساسي لرؤية المملكة.
مشيراً إلى أن الاحتفاء بصناع الإبداع يبعث برسالة تؤكّد تقدير الدولة للفن والأدب والموسيقى والتراث، ومختلف أوجه الثقافة التي تتكامل لتشكل هوية المملكة العربية السعودية. قائلاً:" وطن يقّدر مبدعيه هو وطن متحضر، واستمرارية مثل هذه الجوائز بالتأكيد تكشف عن كل جديد في الساحة الثقافية، وتدير العجلة لحراك ثقافي مستديم ومتجدد".
وأردف:" مبدأ الجزاء والثواب المتعارف عليه في مثل هذه الجوائز يشحذ همة المبدعين، ويسلّط الضوء على الأعمال الفارقة والمميزة لتكون مثالًا يُحتذى به، ويضمن إنتاجاً ثقافياً حضارياً ومعاصراً".
وذكر الدكتور بقنه أنه بدأ رحلته في عالم الترجمة عام ٢٠٠٧م، حين كان طالبًا في كلية الطب واهتم بالأدب بشكل عام، وبالشعر خاصة، واستقطع من أوقات دراسته للطب أوقاتًا لقراءة القصائد، وشيئًا فشيئاً اشتغل بالشعر، وقراءة الأنطولوجيات والموسوعات المترجمة للإنجليزية والعربية.

موعد غرامٍ مع التعب - شريف بُقْنه

By G.Dawnay
"لا أرى الطَّبيعةَ إلّا مشهدًا للخيرِ" رامبو

منذُ ابتكارِ فكرةِ الانتظارِ
والأوقاتُ تشربُنا ماءً حيرانَ
يقطُرُ من ثقوبِ أرواحِنا المُتعبةِ.

منذُ نادمتْنَا الشُّرورُ: ألمٌ ومللٌ وموْتٌ؛
والعمُرُ ينحتُ بأنيابِهِ قسَماتِ وجوهِنا
والأيّامُ تهزمُ أعظمَ آمالِنا
تعضُّ على رقبةِ الحُلْمِ
وتهشِّمُ رأسَ النَّشوةِ
بإزميلِ القدَرِ ومسمارِ الحظِّ
بمطرقةِ الفوضى،
رغم أنّهم أخبرونا أنَّ الفرَحَ
ليسَ كثيرًا علينا
وأنَّ اللَّحظةَ الحاضرةَ أثمنُ ما لدينا،
وكأنَّ الشَّكَّ والرَّجاءَ ضريبةُ
أحلامِنا المرجوة ورؤانا الموعودةِ.

منذُ أكلنا تفاحةَ طفولتِنا
ونحنُ ندفعُ ثمنَ الهواءِ عرَقًا جهنميًّا،
رغم أنهم أخبرونا أنّ في الدّنيا
طعمًا لا يُكتفى منه، أحلى
منَ الملحِ وأصفى من العرَقِ.
وكأنّ الدّرسَ لا يمكنُ تعلّمُه
إلّا على الطّريقةِ الأقسى.

منذُ آلافِ السنين ونحن
أباطرةُ الموتِ سلاطينُ التبرُّمِ
نورِّثُ الخوفَ والحربَ والكسلَ،
لا نُولدُ جميلين.. يا للأسى!
تنتخبُ الحياةُ الأرواحَ الجميلةَ
وتمكرُ، تنصبُ فخاخَها خِلسةً
تخدُّرنا باليومي وتسحقُنا بالشُّؤمِ
كائناتٌ هشةٌ سوداويةٌ ومؤقّتةٌ!.
رغمَ أنَّهم أخبرونا أنَّ الحياةَ موعدُ غرامٍ
وأنَّ صيفًا واحدًا يُنهي حصارَ ألفِ شتاءٍ.
وكأنَّ السعادةَ مِنّةٌ والطمأنينةَ صدقةٌ
والطريقَ معبّدةٌ بالشوكِ والحمِم.

الخميس، 5 يناير 2023

الفائزون بالجوائز ممتنون: المعنويات تبقى والماديات تفنى



جريدة عكاظ، ثقافة وفن الجمعة 16 سبتمبر 2022 
علي الرباعي (الباحة)
يتباشر المثقفون بتكريم أي عنصر من عناصر الإبداع والتميز، ويستبشرون خيرًا بالجائزة؛ كونها اعترافًا مُعلنًا باستحقاق المُكرّم الالتفات لمنجزه وتثمين دوره، وإن معنويًا، ويتطلّع البعض لنيل مبالغ مالية تسند يومياتهم الكادحة، إلا أن معظمهم يرجح جانب المعنويات، مكتفين بما هو أبقى إزاء ما يفنى، وتطرح «عكاظ» على عدد من الفائزين بجوائز محلية وعربية، خلال أيام قريبة مضت، سؤالًا عن دلالة ومعنى الفوز، وأثره على العطاء، إذ يؤكد عرّاب المسرح السعودي المعاصر فهد ردة الحارثي المكرّم من مهرجان القاهرة التجريبي الدولي، أن التكريم محطة من محطات التقدير لعطاءات سابقة، وعدّه دافعًا حيويًا للانطلاق لمحطات لاحقة، إذ يندفع قطار العمل ويتعمق في داخل الشخصية المُكرمة، فينأى بعيدًا عن أموره الحياتية، وينصرف نحو العمل، مؤثرًا الموضوع على الذات، لتعيد لحظة التكريم ذكريات البدايات ومُضي السنوات بكل ما حفلت به، رغم نسيان المُكرّم ما قدّم أو تناسيه لانشغاله بما سيقدم، مشيرًا إلى أن القيمة المعنوية، للجائزة أكبر وأهم، خصوصًا في مهرجانات دولية لها مكانتها الثقافية والأدبية والإنسانية على مستوى العالم. وقال العرّاب: سبق أن تم تكريمي في القاهرة، والكويت، وتونس، والمغرب مرات عدة، إلا أن التكريم في أكبر مهرجان بالشرق الأوسط (مهرجان القاهرة التجريبي الدولي 29) الذي لا يُكرّم به إلا نخبة النخبة، ولكوني المكرّم الأول من السعودية فهذا مجال فخر واعتزاز. وأضاف الحارثي: حصدت خلال مشواري المسرحي، ستًا وعشرين جائزة محلية وعربية ودولية، وكرمت عشرين مرة محليًا وعربيًا ودوليًا، وكان بها المادي وبها المعنوي وبها الاثنان معًا، فذهبت المادة، وظل المعنوي تاريخًا وأثرًا، ولو خيروني بين المادي والمعنوي لاخترت المعنوي؛ كونه أكثر قيمة إلا أنه لو جمعت الجائزة المعنوي، والمادي لكان خيرًا مع خير.
فيما يرى الفائز بجائزة وزارة الثقافة للترجمة الشاعر المترجم شريف بقنة، أن فوزه بالجائزة يعني له الكثير، ويحمّله مسؤولية كبيرة، ويشحذ الهمّة لمزيد العمل النوعي والجاد. وأوضح لـ«عكاظ» أنه لا يريد أن يبدو مثاليًا إلا أن صعوده على منصة التتويج واستلامه الجائزة موقعةً من وزارة الثقافة هو القيمة الحقيقية والمعنى الأهم بعيدًا عن أي قيمةٍ مادية. وعدّ الوطن السعودي الذي يقّدر مبدعيه، وطنًا طليعيًا ومتحضرًا، بحكم أن الاحتفاء بصناع الإبداع يبعث رسالةً تؤكد تقدير الدولة للفن والأدب والموسيقى ومختلف أوجه الثقافة التي تتكامل لتشكل هوية المملكة العربية السعودية.

جمالٌ مستهترٌ أنجزَهُ التَّعب

Automat, 1927 by Edward Hopper

"إنِّي رأيتُ اللَّيل يقدِّمُ كلَّ أوراقِ اللُّجوءِ
لشامةِ امرأةٍ وحيدةٍ." محمد عبدالباري 

مثقلةٌ بالخطايا
ولكنّكِ جميلةٌ،
جمالٌ مستهترٌ أنجزَهُ التَّعبُ
لا يبوحُ إلَّا بسهوِ الأبديةِ،
جمالٌ وحشيٌّ تركتْهُ أقدارٌ نزِقةٌ
افترسهُ فمُ اللّيلِ ومزَجهُ
غبارُ الزّرقةِ السّرمديّةِ.
يُرعبُنِي مِثلُ هذا الجمالِ أحيانًا،
يصطدمُ بي تيّارًا لا مرئيًّا يعسرُ
على الفَهمِ، وأزعمُ أنَّ خطأً كونيًّا
فادحًا لابدَّ وأنْ وقعَ،
خطأً نزيهًا وممتدحًا.
هيبةُ المجهولِ ربّما
سحرُ الغامضِ ورهبةُ التّيهِ،
يحدثُ هذا معي أيضًا،
عند استماعي مقطوعةً لهانز زيمر
عند تخشّبي مشدوهًا أمامَ لوحةٍ
لا تُقدَّرُ بثمنٍ، وعندَ وقوفي
قربَ رأسك.. متأملًا 
عينيكِ نائمتين.

 شريف بقنه 

شَربَةُ ماء - جيفري هاريسون

عندمَا يفتحُ ابني ذي التسعةِ عشرَ عامًا صنبورَ المطبخِ
ويتّكِئُ على حافةِ الحوضِ، يميلُ برأسِهِ قليلًا
ويشرَبُ مباشرةً من مجرى الماءِ الباردِ،
أتذكَّرُ أخي الأكبرَ، الآنَ.. وبعدَ مرورِ عشرُ سنواتٍ،
كان معتادًا على فِعلِ ذاتِ الشيءِ في تلكَ السِّنِّ؛

عندمَا يرفعُ رأسَهُ إلى الوراءِ وقد أروَى ظمأَهُ،
يمسحُ بكُمِّ قميصِهِ الماءَ المتساقطَ على وجنتيهِ،
بذاتِ الإيماءةِ العرَضيةِ الّتي اعتادَ عليها أخِي،
لا أقولُ لهُ أنْ يشربَ منَ الكأسِ، بالطريقةِ
الّتي قالَهَا أبِي لأخي حينَهَا،

لأنّنِي أحبُّ تذكُّرَ أخِي
عندما كان صغيرًا، عقودًا قبلَ أنْ يحصلَ
أيُّ شيءٍ، أحبُّ أن يستحيلَ ابني أخي ولو لِلحظاتٍ،
بهذهِ العادةِ الصغيرةِ والّتي وُلِدتْ من حاجةٍ بسيطةٍ،

حاجةٍ عفويةٍ لم يحضُّهُما عليها أحدٌ
تربطهُما عبرَ حدودِ الموتِ ومرافئُ الزّمنِ..
كما لو أنَّ المجرَى الصافي يتدفقُ بينَ عالَمينِ
ويصبُّ باردًا من صنبورِ المطبخِ،
ابني وأخي يشربانِ سويّةً الماءَ.

________________
ترجمة شريف بقنه 
جيفري هاريسون Jeffrey Harrison شاعر أمريكي معاصر. أصدر سبعة كتب شعرية، آخرها العام ٢٠١٤. نشر في ذا نيويوركر The New Yorker و ذا باريس ريفيو The Paris Review وغيرها من المجلات الأدبية، وحاز على جائزتي بوشكارت و زمالة جوجينهام وغيرها من الجوائز والتشريفات (١٩٥٧- )
"Drink of Water" by Jeffrey Harrison from Healing the Divide: Poems of Kindness & Connection, ed., James Crews, Green Writers Press, 2019